تعقد النقابة الوطنية للتعليم العالي مؤتمرها 12 على مدى ثلاثة أيام الجمعة والسبت والأحد بمركب مولاي رشيد بوزنيقة. نحن أمام خيارات متعددة كلها سيئة إلا خيار واحد ممكن التحقق رغم صعوبته، إنه خيار نقابة قوية تدافع عن ما تبقى من الجامعة العمومية المغربية، وتحقق قدرا من العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية، والمساندة بالرأي والخبرة والكفاءة العلمية والمواقف لدعم القضايا الوطنية الكبرى المتعلقة بالمجالات الأربعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إنها محطة إما أن تخرج النقابة الوطنية للتعليم العالي قوية وسيكون كسب الرهانات والتحديات أمرا ممكنا، وإما أن تخرج ضعيفة مشتتة أو عاجزة عن إنهاء المؤتمر بنجاح، وهنا لا قدر الله ستكون بداية إنهاء التعليم العمومي في المغرب، وسنذهب بعد سنين قليلة إلى انتهاء مجانية التعليم بعد الباكلوريا، وانتهاء أجيال كانت فرصتهم في الحياة مجانية التعليم.
لا شك أن المؤتمر الوطني 12 ينعقد في ظروف دولية ووطنية خاصة، فعلى المستوى الدولي هناك تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية تلعب فيها الجامعات والبحث العلمي دورا أساسيا وموقعا استراتيجيا بحيث لم تتقدم إلا الدول التي تحتضن جامعات متقدمة، بينما نحن لا زلنا نعيش صراعات أصبحت بنيوية، بحيث كلما جاءت حكومة إلا وأخذت الجامعة إلى تجربة ومغامرة جديدة، تستنزف فيها الجهود والزمن والموارد دون تغيير عميق ملموس نحو الأفضل، يضاف إلى ذلك تآكل الهامش الديمقراطي لدى الجامعة، سواء في مناخها العام الداخلي، أو في علاقتها بالوزارة المعنية والتي من المفروض أن تعطي القدوة في التعاطي مع حكامة جيدة راشدة تعتمد الاستقلال المالي والإداري الإيجابي، وتضع حدا للتسيير عبر المحمول.
لا شك أن محطة الحوار مع النقابة في تحقيق مطالب الملف المطلبي لرجال التعليم العالي قد حققت مكاسب جد متواضعة ودون السقف الذي كان منتظرا، ولكن استمرارية المفاوضات مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بخصوص تفعيل الاتفاقات السابقة حول القضايا الاستعجالية للملف المطلبي لن يتحقق منها إلا بمقدار ما سيحققه هذا المؤتمر من فرز نخبة وفريق قوي، يؤمن بقوة الجامعة العمومية وتنمية دورها في صناعة مستقبل المغرب.
إن طبيعة الحوار ونقاش ومستوى المقترحات والأفكار انطلاقا من أوراق أرضية المؤتمر المنبثقة عن أشغال اللجنة التحضيرية للمؤتمر مؤشر على النجاح أو الفشل، وعلى توحيد الصفوف أم تشتيتها، خاصة أن هناك ملفات أصبحت جراحات وندوبا في وجه الجامعة منها ملف الأساتذة حملة الدكتوراه الفرنسية ورفع الاستثناء عنه، وأيضا كما أكده الأساتذة قبل هذه المحطة ضرورة الحسم في مسطرة تعديل المادة (9) التاسعة المتعلقة بالمرسوم الخاص بالقانون الأساسي للأساتذة الباحثين، والتي تسير في المحافظة على المكتسب، وتدفع إلى فتح الباب واستئناف عمليات الترقيات للأساتذة الباحثين في أقرب الآجال.
بعض الأفكار والرسائل:
إن التجرد العلمي في الرقي بالجامعة العمومية المغربية يتطلب شجاعة لوضع اليد على الاختلالات والارتقاء عبر التفكير النقدي وقوة الاقتراح وعمقه وجدته والمساهمة في المشاريع الوطنية ذات الصلة بالجامعة والبحث العلمي حتى تواكب التطلعات الملكية والتوجيهات السامية من أجل استشراف المستقبل. ودون الإطالة وباختصار شديد جدا نحن أمام خيارين :
1 خيار الأمل إذا نجح المؤتمر في إنتاج مشروع نضالي وانتخب كفاءات وطنية لا تسكنها الحسابات الضيقة، فستكون المعركة القادمة معركة إعادة الاعتبار والمكانة للجامعة العمومية، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية، وحماية الجامعة المغربية من كل فكر انغلاقي أو طائفي انقسامي.
2 خيار الفشل بحيث سندخل الطريق السيار في إغلاق قوس الجامعة العمومية ومجانية التعليم الجامعي، وستزيد الفجوة الاجتماعية اتساعا ولن يكون هناك حظ للفقراء في الاستفادة من السلم الاجتماعي، وسيكون هذا المؤتمر عليه دين معنوي ومسؤولية أخلاقية للأجيال القادمة.