عبد الحميد جماهري يكتب: حوار مع صديقي الغاضب

قال عبد الحميد جماهري، رئيس تحرير ومدير نشر يومية الاتحاد الاشتراكي، في عموده “كسر الخاطر”، في عدد الجريدة الصادر، يوم غد الثلاثاء، إنه غاضب لأنه يشاهد هذا الاستعراض الفاحش للثروة في مغرب فيه أزيد من أربعة مليون فقير مدقع حسب الأرقام الرسمية .
واختار جماهري لعموده “كسر الخاطر”، المتعلق بهذا الموضوع، عنوان “حوار مع صديقي الغاضب..”، جاء فيه مايلي:
لماذا أنت غاضب يا صديقي؟
غاضب لأن سؤالا يذبحني من الوريد الى الوريد:
لماذا يخاف النزهاء
ولا يخاف الفاسدون؟
لماذا يشعر الأثرياء من ذوي الشبهة
بالراحة وهم يدخلون إلى المحاكم والادارات والجماعات والوزارات .
في حين نجد البسطاء من الناس، ومن يثقون في السلطات أكانت أدارية أم قضائية أم ترابية
يتوجسون فزعا،
كلما كانت لديهم قضية من القضايا؟
غاضب لأن كل هذا الاحتقان الذي نعيشه
لا نجد من ينظر إلى جمره الراكد تحت الرماد
بعين المصلحة الوطنية
وأن الوطن نفسه أصبح مجرد ذريعة لإسقاط الخصوم الإيديولوجيين
وخنق الناس
وإسكات الأصوات
وتتفيه المعارضات من أعلى منار الديموقراطية، البرلمان والحكومة..
وتسفيه الأحلام
ونشر الفراغ والسفاهة..
غاضب لأن لا أحد
يسمع إلى هزيم الرعد الذي يوهمنا بسماء صافية..
غاضب لأني أشاهد هذا ا الاستعراض الفاحش للثروة في مغرب فيه أزيد من أربعة مليون فقير مدقع حسب الأرقام الرسمية
أربعة ملايين فقير مطلق على حافة العدم السوسيولوجي..
ولكني من المغاربة الذين ليسوا ولن يكونوا ضد الثروة
وضد أصحابها..
من المغاربة لهم دعاء في ذلك: الله يزيدهم، واللي اعطاهم يعطينا..
من المغاربة يشعرون بالغضب عندما يجدون أمامهم من يتعالى عليهم بثروته
وينزع اللقمة من أفواه فقرائهم ويضعها في ثلاجته
وخِزانته
وخزْنته
ومخزنه.
المغاربة يزمجرون غضبا من كل الذين يتبجحون عليهم بالثراء الفاحش ويربطون بين ثروتهم وبين الوطنية
ويعتبرون أن ثروتهم …
واجب وطني.!
وأقصى حقوق الفقراء أن يسمحوا بها
ولو خارج القانون..
وانا غاضب مثل المغاربة الذين لا مثلبة لهم يقولونها عن القانون
ليسوا ضد القانون
والمغاربة يحترمون القضاء..
لكنهم يغضبون ويراكمون حجر الغضب في صدورهم
لتتشقق وينزل منها الماء الذي يخصب النقمة وتينع به أسوأ الأسئلة..
عندما يرون «الشناقة» يتجولون حول المحاكم بحقائب المال الفاسد لشراء الأحكام
بالرغم من صكوك الاتهام
واعتراف الوحوش الآدميين ..
كما يتجول «الشناقة» في الأسواق
ليرفعوا الأثمنة..
أنا غاضب ياصديقي لأن المغاربة يرون الوساطات في المحاكم والأسواق والمعامل والمؤسسات السياسية..
وهم يرفعون ثمن الأضحيات
ويخفضون ثمن…. الوطن!
وسومة العدالة
وسومة ..
الحب
والتراب الوطني المقدس!
غاضب وأنا أتابع تجول باعة الأصوات في الانتخابات ..
يصنعون البرلمان والحكومة والجماعات والمجالس والمؤسسات..
لا أحد يسمي القط قطا واللص لصا والفاسد فاسدا.
ونطلب منهم من بعد ذلك أن يحرصوا على قيم الدولة وقيم المجتمع!
و غاضب من وجود محتالين تعرفهم كل تقارير العالم
فاسدون ومفسدون في كل طبقات المجتمع و الإدارة
ولكن يجعلون الدولة قاسية معهم
ولكنها ضعيفة أمام الأقوياء
والفاسدين.
غاضب لأننا نسمي اللصوص والمرتزقة تسميات تزيد من بؤسنا: الوسطاء والمضاربين..
والحال أنهم يقومون بكل ما يسمح لهم بجمع الأموال مثل كل المرتزقة في الحروب !
أنا غاضب يا صديقي منك
ومن اليسار؟
ـ ولماذا اليسار يا صديقي؟
ألا ترى بعضه ينظر في الأفق البعيد ويتركنا وحدنا
قل لهم: اعتبرونا وطنا آخر..
وتضامنوا معنا!…
وغاضب منه وهو يحول الصراع الطبقي إلى مناظرات على التيكتوك
ويعتبر أن التضحية الوحيدة.. ساعة أمام البودكاست
وأقصى درجات الالتزام قتل بعضه البعض
غاضب لأنني لم أعد أفهم هذا التطبيع الشمولي مع المرتزقة
و الحال أن فتى بسيطا استطاع أن يهزمهم بما يملك من بساطة
و كل أفواه الحكومة تلهج بالتضليل
أو تتبناه غيضا والتباسا!
غاضب لأن العلاقة الوحيدة التي أصبحت بيني وبين الواقع هي .. الغضب!