وسط جبال وعرة، واقعة بدوار سيدي امحند، جماعة واويزغت، التابعة لنفوذ إقليم أزيلال، قادتنا رحلة طويلة، لكشف معاناة صامتة لطفل في عمر الزهور، يعاني تشوها خلقيا في جهازه التناسلي.
طفل في ربيعه الرابع، اختارت له عائلته اسم “بدر”، يوم رأى النور بالمستشفى الجهوي ببني ملال، الذي يبعد عن الدوار حوالي 60 كلم، بعملية قيصرية، كشفت المستور وجعلتهم في حيرة مؤلمة من تصنيف مولودهم الجديد والوحيد بين الذكر أو الأنثى.
منذ ليلة ولادة “بدر” التي مازال الوالدان يتذكران تفاصيلها الأليمة، وحتى هذه اللحظات بعد مرور أكثر من أربع سنوات، تستمر معاناة “عائلة طارق” الأمازيغية الأصول، والتي نسيت بفعل المعاناة هاجس الإنجاب، مكتفية بـ”بدر” وبتعداد المعاناة اليومية أمام قلة حيلتها.
في بيت طيني يعكس ضيق الحال المعيش للأسرة الصغيرة الفقيرة، دخلت كاميرا “برلمان.كوم” لتكشف المستور عن حالة بدر، مع ظاهرة خلقية قليلا ما يرضى البعض ممن ابتلي بها أن يكشفها للملأ، خوفا من الفضيحة، ومكتفيا بكتمانها وطمرها إلى أن تصبح عقدة ملازمة لصاحبها عند بلوغه سن الوعي، والذي لا يملك فيها أية مسؤولية، إلا كونها كانت قدرا محتوما عليه.
براءة بدر الذي لا يدري لحدود الآن عن ماذا يتحدث من هم حوله، ولا حتى عن ألم والديه اتجاهه، زرعت على الأقل في خلد والديه شجاعة قوية، للحديث بوجه مكشوف عن معاناة ابنهم، يرجون منها أن تكون طريقا للفرج على يد محسنين ينقذون طفولة وكرامة الطفل الصغير بدر.
“خلا” هو اسم والد بدر، سألناه عن معنى الاسم فأجابنا، بأنه اسم أمازيغي، سمي به لأن والده تركه في بطن أمه قبل ولادته وتوفي، ففهمنا ببساطة أن معاناة العائلة الضعيفة قدر ملازم لها.
لم يتمالك “خلا” دموعه عند أول سرد لتفاصيل حالة ابنه بدر، وقصصه الطويلة مع المستشفيات العمومية، التي جابها وهو يحمله بين ذراعيه، بدءا بالمتبرئين من أي استشارة أو حل يمكن لهم أن يقدموه، ومرورا بمن تكهن بكون بدر أنثى وليس ذكرا، وبين من نصح الوالد بتغيير اسمه من بدر إلى اسم أنثى، وأخيرا وليس آخرا بمن شخّص له حالة بدر بأنها ناتجة عن نقص في هرمون الذكورة ليس إلا.
“جميلة” والدة “بدر” لم تجد من الكلمات ما تشرح به ألمها العميق، وهي التي تنظر كل يوم إلى بدر ينمو بتشوهه الخلقي في جهازه التناسلي، الذي يختلط بين جهاز ذكري وجهاز أنثوي، كما قال له بعض الأطباء، أو بجهاز تناسلي ذكري صغير مضمر تحت جلد الطفل، فارتأت جميلة أن تترك للوالد خلا بقية الحديث عن تفاصيل المعاناة.
يكمل الوالد “خلا” تفاصيل حديثه عن معاناته الطويلة بين المستشفيات العمومية خلال أربع سنوات، وصدماته الكبرى من التكاليف المالية الباهضة لما يطلبه منه الأطباء من تحاليل وفحوصات وكشوفات، تصل مبلغا باهضا قد يتجاوز قيمة البيت الطيني الذي تسكنه العائلة.
عندما أتحنا للوالد خلا فرصة مناشدة أصحاب القلوب الرحيمة لمساعدة ابنه على الخروج من ورطة القدر هذه، صمت طويلا، وبتنهيدة تحمل تفاصيل المعاناة، لم يجد أكثر من أن يتمنى لمشكلة بدر العضوية أن تنتهي، قبل أن تنمو المعاناة ملازمة لكيان بدر، الذي تكفي ابتسامته بلسما لروح والديه المعذبين في صمت لا يفقهه أحد.