طارق القاسمي (الملقب ببوغطاط المغربي) يحييكم!
تستعد مدينة أكادير لاحتضان الدورة الخامسة من “الأبواب المفتوحة للأمن الوطني” التي دأبت المديرية العامة للأمن الوطني على تنظيمها سنويا، وذلك ما بين 17 و21 ماي الجاري،تحت شعار: “الأمن الوطني.. مواطنة، مسؤولية وتضامن”، تزامنا مع الاحتفاء بالذكرى 68 لتأسيس المديرية.
وكما لا يخفى على الجميع، فإن الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، تعتبر من الركائز الأساسية للاستراتيجية المعتمدة من طرف المديرية العامة للأمن الوطني التي رسم معالمها عبد اللطيف حموشي بعد توليه لمسؤولية المديرية العامة في 15 ماي 2015، يوم تعيينه من طرف الملك محمد السادس على رأس هذه المؤسسة…تلك الإستراتيجية الرامية إلى تدعيم انفتاحها على محيطها الخارجي وتوطيد قربها من المواطنين والرامية أساسا إلى ترسيخ مفهوم الشرطة المواطنة المستمد من “المفهوم الجديد للسلطة” الذي أطلقه الملك مباشرة بعد اعتلاء العرش.
فالأبواب المفتوحة للأمن الوطني ليست فقط مناسبة سنوية للتعريف بالعمل الشرطي أو موعد للتواصل المباشر مع المواطنين والمؤسسات ومختلف مكونات المجتمع المدني لإطلاعها على آخر مستجداتها وكافة المهام العملياتية التي تقوم بها مختلف الوحدات والتشكيلات الأمنية، واستعراض مختلف التجهيزات المتطورة والمعدات الحديثة التي تعتمد عليها المديرية في عملها… وإنما الأبواب المفتوحة هي أولا وقبل كل شيء، تجلي من تجليات التخليق الذي يسعى إلى أن يجعل من المديرية العامة للأمن الوطني مؤسسة مواطنة قبل أن تكون مؤسسة أمنية. وهي ثانيا بمثابة استفتاء مُصغّر، حي وواقعي حول منسوب ثقة المغاربة في مؤسستهم الأمنية.
فالأرقام الرسمية اليوم تقول أن مؤشر ثقة المغاربة في المؤسسات الأمنية يتجاوز 85%، وفق استطلاع حديث أجراه المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، حيث ارتفع مؤشر الثقة من 77% في عام 2016 إلى 85% في عام 2023. وهذا ما يفسر الإقبال الكبير للمغاربة على الأبواب المفتوحة للأمن الوطني في دورتها الرابعة السنة الماضية، حيث ناهز عدد الزوار الإجمالي مليون و150 ألف زائر، محققا رقما قياسيا مقارنة مع باقي الدورات السابقة.
مشوار المليون زائر بدأ في الواقع بـ 80 ألف زائر سنة 2017 التي عرفت انطلاق تنظيم الأبواب المفتوحة للأمن الوطني في نسختها الأولى بالدار البيضاء، وهو العدد الذي تضاعف أزيد من 14 مرة على امتداد أربع نسخ فقط، والمرشح إلى الارتفاع أكثر هذه السنة في الدورة الخامسة التي تتزامن مع الاحتفاء بالذكرى 68 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني، وهذا يعكس مدى ثقة المغاربة بمؤسستهم الأمنية التي أصبحت تترسخ يوما بعد يوم في السنوات الأخيرة.
ثقة ما كانت لتكون أو تزداد لولا المسار الطويل والمعقد الذي عرفته سياسة التخليق التي عمل عبد اللطيف حموشي على اعتمادها وتنزيلها منذ توليه لمسؤولية المديرية العامة للأمن الوطني، جاعلا منها خيارا ثابتا وممنهجا للقطع مع الفساد وترسيخ مفهوم الشرطة المواطنة الذي تشكل الأبواب المفتوحة إحدى تجلياته التواصلية.
والبداية كانت من خلال الرهان على عنصرين أساسية في تنزيل سياسة التخليق لضخ نفس جديد في المؤسسة الأمنية وهما: الحكامة المالية والرأس المال البشري. إذ لا يمكن الحديث عن شرطة مواطنة في غياب حكامة مالية تقطع مع كل أنماط التسيير العشوائي والارتجالية في التدبير.كما لا يمكن الحديث عن شرطة مواطنة في غياب الكفاءة عند العنصر البشري وغياب ظروف مثلى وإنسانية للعمل.
وفي هذا الصدد، كانت من أولى وأبرز تجليات سياسة التخليق التي دشن بها حموشي عمله على رأس المديرية العامة للأمن الوطنية هي نهج إستراتيجية شاملة جعلت من أولوياتها، تصفية متأخرات ديون التسيير المتراكمة، حيث تم تصفية ما مجموعه 13.5 مليار سنتيم من المستحقات المالية المتأخرة عن السنوات المالية 2012، 2013 و2014، وذلك في غضون 4 أشهر فقط.
وفي ما يخص الرأس المال البشري، فقد تم العمل في المستوى الأول على إعادة الاعتبار والتحفيز للعنصر البشري من خلال تحسين شامل للظروف المادية والمهنية لموظفي الشرطة وتنزيل إصلاحات جذرية في ما يتعلق بالنظام الأساسي الخاص، وإيلاء أهمية أكبر لجانب الأعمال الاجتماعية للمديرية العامة للأمن الوطني، وفتح الباب أمام كوادر شابة وكفاءات أمنية عالية التكوين والتأهيل لتنزيل مخططات العمل الرامية لتعزيز أمن المواطن وضمان سلامة ممتلكاته.
وفي المستوى الثاني والمتعلق دائما بالرأس المال البشري، فقد بادرت المديرية العامة للأمن الوطني إلى إطلاق ورش إصلاحي حقيقي، يروم “أنسنة العمل الشرطي”.ويتعلق الأمر بإدماج البعد الحقوقي في تكوين عناصر الأمن داخل معاهد الشرطة، من خلال إبرام اتفاقيات مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتكوين أطر المعاهد في مجال حقوق الإنسان وإعطاء القدوة في احترام القانون والانضباط له.
أما المستوى الثالث فيتعلق بمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” الذي يمكن اعتباره دينامو سياسة التخليق داخل المديرية العامة للأمن الوطني، حيث تم القطع نهائيا مع مظاهر التساهل مع التجاوزات والأخطاء المهنية لموظفي الأمن سواء أثناء ممارستهم لمهامهم الوظيفية، أو تلك المرتبطة بصفتهم الشرطية عندما يتم الإخلال بواجبات التحفظ والنزاهة والاستقامة الشخصية المفروضة في رجال ونساء الشرطة، وذلك من خلال اتخاذ عقوبات تأديبية، من بينها العزل، وكذا من خلال المتابعة القضائية والسجن عندما يتعلق الأمر بأفعال مخالفة للقانون الجنائي، مثل تسجيل اختلالات وتجاوزات أو جرائم فساد مالي وإداري… إلخ.
فبهذه الفلسفة والدينامية، استطاعت المديرية العامة للأمن الوطني أن تعيد بناء روابط ثقة متينة بينها وبين المواطن وتقطع مع صورة قاتمة مرتبطة بسياقات زمنية سابقة، جاعلة من سياسة التخليق وثمارها أسلوب تواصل في حد ذاته، يلقى استحسانا وإشادة من قبل المواطنين من خلال التزامهم ووفائهم بالمشاركة، وبشكل متزايد وقياسي كل سنة، في الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، جاعلين منها موعدا تواصليا بامتياز لتجديد صك الثقة في مؤسستهم الأمنية وتمكين هذه الأخيرة من مواصلة ترسيخ وتجسيد مفهوم الشرطة المواطنة.