شخصيات صنعت التاريخ.. فريدريك بانتينغ مكتشف الأنسولين الذي أنقذ حياة مرضى السكري بالكلب رقم 410
عديدة هي الشخصيات التي بصمت على مسار متميز في حياتها المهنية والخاصة، ونجحت في تقديم أعمال رائدة أو تحقيق إنجازات مهمة، نقلتها إلى عالم الشهرة وأدخلتها في قلوب الناس جيلا بعد جيل.
عبر هذه السلسلة الرمضانية، “شخصيات صنعت التاريخ” يغوص “برلمان.كوم” بقرائه في عوالم شخصيات دونت اسمها في قائمة أفضل شخصيات العالم، وسنتوقف في حلقة اليوم عند شخصية “فريدريك بانتينغ” الطبيب مكتشف الأنسولين العلاج السحري الذي أنقذ ولازال إكتشافه ينقذ ملايين الناس من الموت.
فكرة الأنسولين
شكل مرض السكري خلال القرن الـ20 رعبا حقيقيا لمئات المرضى حول العالم والذي أصيب به الآلاف من الأشخاص الذين توفي الكثير منهم لعدم وجود علاج له، حيث كان الحل الوحيد لإبطائه، في ذاك الوقت هو اتباع حمية غذائية قاسية تعتمد على تناول ما لا يزيد على 500 سعرة حرارية يومياً، والابتعاد نهائياً عن الكربوهيدرات، مع العلم أنها تعد ضرورية لتغذية جسم الإنسان، لذا فقد عانى مرضى السكري المجاعة والهزالة خصوصا الأطفال.
حاول العلماء الاجتهاد في الموضوع والبحث عن علاج للسكري، وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أن هناك علاقة بين البنكرياس والسكري، حيث قام عالمان ألمانيان بإجراء تجربة إزالة البنكرياس من الكلاب لتصاب بأعراض مطابقة لأعراض مرضى السكري حيث وصل الخبر إلى الطبيب فريدريك بانتينغ، الذي ألهمته القصة ودفعته إلى إجراء تجارب كثيرة حتى توصل إلى العلاج.
اكتشاف الأنسولين..التجارب الأولى
ولد فريدريك بانتينغ في 14 نونبر 1891 بأونتاريو بكندا، درس بانتينغ الطب وتطلبت ظروف الحرب مشاركته رفقة عدد من زملاء مهنة الطب وكان يبلغ وقتها 29 عاما، بعد عودته في العام 1920 من إحدى جبهات الحرب العالمية الأولى، قام بتأسيس عيادة طبية خاصة في مسقط رأسه في مدينة لندن الكندية، الواقعة غرب مقاطعة أونتاريو، لكن دخل العيادة كان ضعيفاً وهو ما دفع بانتينغ إلى التفكير بتقديم بعض المحاضرات في الجامعة بمدينته، وكانت إحدى هذه المحاضرات عن استقلاب الأطعمة النشوية بعد أكلها، فاضطره هذا الموضوع إلى اللجوء إلى المراجع المتوافرة حول موضوع المواد النشوية خصوصاً الجلوكوز، واحتمال أن يكون للبنكرياس دور في تحويلها واستقلابها، ففكر في أن يكمل أبحاث من سبقوه من العلماء في هذا المجال.
وأمام صعوبة مواكبة عمله في العيادة، توجه بانتينغ إلى جامعة تورونتو، وقابل رئيس قسم وظائف الأعضاء البروفيسور “ماكليود”، حيث عرض عليه فكرته، وطلب منه أن يعمل تحت إشرافه لعمل تجارب حول دور البنكرياس في استقلاب الأطعمة النشوية إلى سكريات.
محاولات فاشلة ونجاح التجربة على الكلب رقم 410
وافق البروفيسور ماكليود، تحت إلحاح وحماس الدكتور بانتينغ، أن يسمح له بإجراء تجاربه في مختبر صغير مهجور، وعين له مساعداً من طلبة الماجستير هو شارلز بست، كانت الفكرة التي تدور في ذهن بانتينغ أن هناك مادة مجهولة يصنعها البنكرياس هي المسؤولة عن استقلاب المواد النشوية.
بعد تردد سمح لهما البروفيسور “ماكليود” بإجراء التجارب على 10 كلاب، فقام الطبيبان بالتوسع بالتجارب الطبية على الكلاب، وتوفيت جميع الكلاب التي خضعت للتجارب، حتى فقد بانتينغ الأمل في نجاح تجاربه، لكن بعد محاولات فاشلة نجحت التجربة على الكلب رقم 410، بعد أن تم حقنه بخلايا بنكرياس كلب سليم، وبعد مرور ساعة قام بتحليل دمه، ليكتشف المفاجأة، حيث توصل إلى نتيجة مفادها وصول نسبة السكر في دم الكلب إلى المعدل الطبيعي، ليكون بذلك الكلب رقم 410 هو أول كائن في العالم يتم علاجه بالأنسولين من داء السكري.
التجربة على البشر والحصول على جائزة نوبل
بعد نجاح تجربته على الكلاب تحول بانتينغ بتجربة لقاحه على البشر وتأتى له ذلك في يوم 11 يناير من عام 1922، حيث قام بحقن الطفل ليونارد ثومبسون 14 سنة، الذي كان على حافة الموت من مضاعفات مرض السكري، والذي كان يعاني الهزال والجفاف، وإرتفاع حرارة جسمه مع تركيز الجلوكوز في الدم بلغ 440 ملغ.
حقن ثومبسون بالأنسولين وكان الجو مملوءاً بالترقب والخوف والأمل، بعد ساعة من الحقنة نجحت التجربة، انخفضت نسبة السكر في دم الطفل إلى 220 ملغ، واستمرت بالإنخفاض إلى أن وصلت إلى 10- ملغ بعد 12 ساعة.
عانى ثومبسون بعد الحقنة من مضاعفات الحساسية الشديدة، ما اضطر الطبيب بانتينغ إلى وقف العلاج، لأنه استنتج أن العلاج بحاجة إلى المزيد من البحث، وبعد 12 يوماً من العمل استطاع زميله الصيدلي كوليب تنقية محلول الأنسولين واستأنف علاج الشاب الذي كتبت له حياة جديدة.
بعد نجاح التجربة أحتلت صورة بانتينغ أغلفة الصحف وصار حديث العالم، ما دفع رجل أعمال أميركي إلى السفر لمقابلته وعرض عليه مليون دولار، لكي يصبح الأنسولين أميركياً، إلا أن بانتينغ رفض، العرض وتشبت بنسب ابتكاره لكندا.
حصل بانتينغ عام 1923 على جائزة نوبل وعندما أعلنت أسماء الفائزين، أعطيت الجائزة مناصفة للدكتور بانتينغ والبروفيسور ماكليود، فرفض بانتينغ ذلك، قائلاً إن من كان ينام في المختبر مع الكلاب لم يكن ماكليود بل السيد بست، فردّ عليه ماكليود إن من يستحقها حقاً هو الصيدلي كوليب، ليتم منح الجائزة مناصفة بين الأربعة للمرة الأولى في التاريخ.
اليوم العالمي للسكري
منذ عام 1991 بدأ الاحتفال باليوم العالمي لمرض السكري وتم اختيار يوم 14 نونبر للاحتفال، وهو تاريخ ميلاد فريدريك بانتنغ الذي توصل إلى فكرة أدت الى اكتشاف الأنسولين في أكتوبر عام 1921، وبعد 99 عاما من اكتشافه ما زال الأنسولين يستخدم لعلاج مرضى السكري.