سوريا ما بعد الأسد.. سيناريوهات بلد عاش عقودا من الانغلاق
بعد سقوط بشار الأسد، تبرز تساؤلات جوهرية حول مستقبل سوريا وإمكانية إعادة إحياء العملية السياسية بما يضمن بناء دولة وطنية شاملة ومستقرة، حيث تتفاوت السيناريوهات بين التفاؤل بتشكيل حكومة انتقالية تضم كافة الأطياف السورية، وبين المخاوف من استمرار الانقسامات والصراعات المناطقية والإثنية التي قد تُعيق إعادة الإعمار السياسي والاجتماعي.
ويرى محللون أنه لتحقيق هذا الهدف، يتطلب المشهد توافقا داخليا ودعما إقليميا ودوليا يُركز على بناء مؤسسات قوية وإطلاق حوار وطني حقيقي بعيدا عن التجاذبات الإقليمية، مع تفادي الوقوع في الفخاخ السياسية التي عطلت استقرار دول أخرى في المنطقة.
وتناول المحلل السياسي عصام العروسي في حديثه لموقع “برلمان.كوم” الأوضاع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، مسلطا الضوء على تعقيدات المشهد الجيوسياسي ومستقبل الدولة السورية، مؤكدا على أن الاستقرار الإقليمي التقليدي في المنطقة أصبح من الماضي، حيث أن سوريا والعراق، اللذين كانا يشكلان محددات أمنية رئيسية، باتا يعانيان من تفتت سياسي وإثني يهدد بظهور كيانات مناطقية وعرقية، مما يُعقد جهود إعادة بناء الدولة الوطنية في سوريا.
وأشار العروسي إلى أن أحد السيناريوهات الممكنة لسوريا ما بعد الأسد يتمثل في تشكيل دولة وطنية متناغمة تضم كل أطياف المجتمع السوري. لكنه شدد على أن النجاح في هذا المسار يتطلب اجتياز المرحلة الانتقالية بسلام، مع تجنب العودة إلى نقطة الصفر من خلال تشكيل حكومة قوية تتجاوز العُقَد السياسية التي أعاقت استقرار دول أخرى، مثل ليبيا.
وأكد أن تحقيق هذا السيناريو يعتمد على عوامل عدة، منها تفادي الانخراط في التجاذبات الإقليمية واستثمار الدعم الدولي بشكل يضمن بناء مؤسسات الدولة بعيدًا عن الضغوط والمصالح المتقاطعة للقوى الكبرى.
وأشار العروسي إلى مؤشرات تخلي الجيش السوري عن دعم النظام، وابتعاد روسيا عن لعب دور الحامي لبشار الأسد، فضلاً عن تراجع الدعم الإيراني. وهذا التخلي أثار مخاوف بشأن إمكانية استغلال إسرائيل للوضع الراهن في سوريا، وخاصة فيما يتعلق بالمنطقة العازلة على الحدود، حيث قد تسعى إسرائيل إلى تعزيز مصالحها الإقليمية على حساب الأمن السوري.
وتحدث العروسي عن الدور الأميركي كعامل حاسم في ضمان التوازنات الإقليمية في سوريا، حيث يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورا إيجابيا في بناء الاستقرار، إذا تم توجيه جهودها نحو دعم إعادة الإعمار السياسي والاجتماعي في سوريا بدلا من تعزيز التجاذبات الإقليمية.
وأكد العروسي أن نجاح سوريا في تحقيق الاستقرار يعتمد على وجود رؤية استراتيجية متكاملة تجمع بين الجهود الوطنية والإقليمية والدولية. ففي المستقبل سيكشف مدى إمكانية استثمار هذه الفرصة التاريخية لبناء سوريا آمنة ومستقرة، شرط تجاوز العوائق والتحديات الحالية بروح من التعاون والتفاهم.