إلى حد كتابة هذه السطور لم ينبس عبد اللطيف وهبي ببنت شفة بعد اعتقال إثنين من أبرز قيادات حزب الأصالة والمعاصرة بتهم خطيرة جدا. بل إن رئيس الحزب لم يوقع البلاغ الصادر عن حزبه، علما أن الأمر يتعلق بأعضاء بارزين في المكتب السياسي، ثم إن البلاغ الصادر عن الحزب وقعته رئيسة المجلس الوطني فاطمة الزهراء المنصوري.
وإذا كان موقع “برلمان.كوم” أول منبر إعلامي في المغرب أشاد بموقف حزب الأصالة والمعاصرة، باتخاذه مسافة بعيدة عن القضية أثناء مرحلة التحقيق مع المتهمين، فإن بلاغ المجلس الوطني للحزب جاء بعد ذلك ليؤكد هذه الخلاصة، ويعبر عنها بشكل مفصل، كما أن بلاغ النيابة العامة جاء ليضع النقاط على حروف حول حجم التهم الموجهة للمتابعين في هذه القضية.
لكن السؤال المطروح الذي ظل حتى الساعة بدون جواب: لماذا لم يتحدث زعيم الحزب وهو المعروف بكثرة الكلام من بين كل أعضاء الحكومة؟ ثم هل رفض التوقيع عن بلاغ في الموضوع بحكم العلاقة التي تربطه بالقياديين المعتقلين، أم أنه لم يستشر في إصدار هذا البلاغ؟
هذه الأسئلة وغيرها تدفعنا لمداعبة أسئلة أخرى حول نظافة ذات اليد داخل هذا الحزب الذي ينتمي إليه قياديون آخرون متابعون في شبهات ترتبط بتبديد المال العام، ومنهم المراكشي أحمد التويزي رئيس الفريق النيابي للبام داخل مجلس النواب، والنائب البرلماني الوزاني العربي لمحارشي، وهما معا من أبرز وجوه الحزب، المعروفة بالجاه والنفوذ.
وأمام هذا الطرح الواضح ينزل علينا سؤال آخر حول سر خروج هذه الفضائح أثناء فترة قيادة وهبي للحزب، خاصة أنه الأكثر إثارة للجدل، وسط زعماء الأغلبية المكونين للحكومة. وهل الأمر يتعلق بإرث ثقيل ورثه عبد اللطيف وهبي وساهم في تغذيته بفيتامينات الفخفخة والادعاء والفضائح الكلامية؟ أم أن وهبي له يد في تضخم هذه الفضائح، وهو الذي طالب أخنوش، أسابيع فقط قبل هرولته للمشاركة في الحكومة، بإرجاع 17 مليار درهم للمغاربة، كما اتهمه اتهاما آخر أكثر خطورة، وهو الاحتماء بالسياسة من أجل تضخيم الثروة. دون أن ننسى أنه التزم أمام المغاربة جميعا بعدم المشاركة في حكومة يرأسها عزيز أخنوش، ليسارع بعد ذلك ويضع يده في يد زعيم حزب الحمامة وكأننا نعيش في مغرب يتناقض فيه القول بالفعل، والسياسة بالطهارة والقيم.
وأمام حجم وقوة ما نطرحه في هذا المقال، يتأتى لنا مالم يكن في خاطر أو على بال، وهو لماذا سارع زعيم الحزب السابق إلياس العماري للنأي بنفسه بعيدا عن المتهمين، بل والتأسف عن مصير العلاقه التي ربطته بهم يوما، بالرغم من أن التاريخ القريب للحزب يشهد بأن المعتقلين وباقي المتهمين، بمن فيهم المحارشي والتويزي، تموقعوا بقوة في عهده، واحتلوا المراتب الأمامية، مما يستوجب استحضار فترة قيادة إلياس للحزب، وكيف أصبح البعض يظن فيها بأن مجرد انتماءه إلى هذا الحزب كافي لحمايته، وكأنه يحتمي بمظلة قوية لا تحرقها أشعة شمس ولا تهزها قوة الريح، بل إن العديد من المنضمين إليه ظنوا أن مظلة الحزب غير قابلة للضعف او الإتلاف.
وإذا كنا متأكدين كل التأكد من أن مثل هذه الأسئلة تحرج كثيرا إلياس العماري، فإن التعمق في غياهبها سيدفعنا، لا محالة، إلى التوقف عند مرحلة خلفه في الرئاسة وابن منطقته عبد الحكيم بنشماس، المختفي منذ مدة عن الواجهة، لكن الشكوك حول ثروته وأملاكه واغتنائه السريع لا يمكن إخفاؤها أو تغييبها عن الذاكرة، منذ كانت موضوع تساؤلات سبق أن طرحها موقع “برلمان.كوم“، وأثارت حينها شكوك كثيرة، خاصة بعد واقعة سيارة ابنته وأحذيتها وفيلته الفخمة.
ولعل هذه الجولة القصيرة في مجالها والشاسعة في أبعادها، لن تنسينا حادثة انتحار السياسي ورجل الأعمال الشهير عبد الوهاب بلفقيه التي لا يمكن طيها بسهولة طي الكتاب، وإن كان الخوض فيها اليوم يستدعي أولا فك رموزها الكثيرة، وكشف أسرارها التي هي جزء من أسرار حياتنا السياسية، وما تشهده من بطولات قد تبدو عبثية أحيانا، وفوضوية في أحيانا أخرى، إذ ما جدوى كثرة التباهي والتفاخر لدى بعض القياديين، وهم يعلمون أن المغاربة جميعا سواسية أمام القضاء.
فقصة المال والسياسة، وقصة من يحتمون بالسياسة من أجل حماية أموالهم، ومن ينتفعون بها لتضخيم ثرواتهم، ومن يغتنون ويتقوون بأحكام السياسة لا بأحكام التنافس والاجتهاد، هي قصص تستحق الكثير من التأمل وإسالة المداد، مالم تمتد أسئلتنا لطرح تساؤلات أخرى حول الجامعة الخصوصية في أكادير وشركات الأدوية والتسجيلات التي قال فيها وهبي بأنه قادر على حماية متابعين بالعقل “ومن تحتها “، وليس بأحكام القانون، وكأن صاحبنا يمتلك دواليب المحكمة بنفس قوة معرفته لأسرار “التقاشر”.
لكن الاستنتاج الذي لا يجب أن نخلص إليه بهدوء، هو أن مشاعر الغرور هي التي تدفع صاحبنا إلى مصير كالذي قاد هؤلاء القياديين إلى خلف القضبان، وهي نفسها التي قادت زعيم الحزب الليبرالي محمد زيان، والوزير السابق محمد مبديع إلى نفس المكان، وآخرون لم نذكرهم في هذه اللحظة. كما أن فضيحة تذاكر مونديال قطر وأبطالها مهما كانت مواقعهم، لازالت تنتظر الأجوبة الضرورية، منذ أن فتح التحقيق حولها، ومنذ أن لم يحقق الوعد الذي حدد آخر أجل فيه في شهر يناير 2023، وإذا كان شهر يناير تجاوزه الزمن فإن الحقيقة لا يمكن أن يتم تجاوزها بمشاعر التكبر.
وآخر رسالة يمكن إرسالها من هذه القراءة السريعة، هي أنه مهما تنافت المصالح، وتضاربت المنافع، وانتفخت الجيوب، وكثرت المطامع، فإن المغاربة باحثون لا محالة، عن القيم السياسية، والأخلاق، الإدارية والنقاء الحكومي، وهم من أجل هذا الأمل، مستعدون لمزيد من الصبر، ما دام الهدف النبيل هو بناء مجتمع تتكامل فيه مقومات النبل والفضيلة.