رشيدة داتي.. صعود وأفول
طلع أدب السير، وهو جنس إبداعي واسع الانتشار بفرنسا بحكم أرباحه المضمونة، بكتاب متحامل على رشيدة داتي بعنوان ساخر:”داتي : صعود وأفول”، للصحفي ميكائيل غرافيي، المتخصص في أدب الفضائح والسير الذاتية. وداتي التي كانت، في بداية مشوارها السياسي، محط تنويه وإشادة كرمز للانفتاح والتنوع، ليست في رأي الكاتب سوى شخصية “انتهازية انتقلت من بائعة متجولة لمادة الصابون إلى أرقى المناصب الوزارية، بعد أن أرست أمجادها على تسول المناصب من خلال البحث عن طرق الوصول إلى من لها عندهم حاجة، حتى اقتادها “الحظ اللعين” إلى ساركوزي وزوجته النافذة آنذاك، سيسيليا.
ويرصد الكتاب الذي سيعزز قريبا رفوف الأكشاك والمكتبات، بكثير من التفاصيل وبلهجة سليطة، حياة رشيدة داتي التي “لم تترك بابا قد يقود نحو السلطة والشهرة إلا وطرقته”، بعد أن بعثت “بأطنان” من الرسائل لكل من رأت فيه ذرة نفود سياسي أو اقتصادي أو حتى إعلامي”.
ويعمد المؤلف إلى تحويل سيرة رشيدة إلى أداة سبر للمجتمع الذي نشأت وترعرعت فيه. فيقارن بين ظروف نشأتها وظروف نشأة الكثيرين من المغتربين الذين يعتمل السخط في نفوسهم لما يعانونه من تهميش متزايد داخل أحياء ومساكن شبه معزولة، ومن تمييز يشكل المصدر الأساسي للغبن.
ويلجأ الكاتب إلى بعض التفاصيل الشخصية والملاحظات الخاصة لانتقاد أوضاع الهجرة في الأحياء التي نشأت فيها رشيدة قبل أن يسلطا شعاعا كثيفا من الضوء على بدايتها كبائعة للصابون “تقتات من فتات الضواحي التي تقصدها”. ويقدم لنا في هذا السياق، ما يشبه التحليل النفسي لطفولة رشيدة ومراهقتها، بوصفها أهم مراحل تكوين الإنسان فكريا ونفسيا، وفيها تتشكل البذور الأولي لرؤيته المستقبلية للعالم.
ويذهب إلى أن “وضعها داخل أسرة من 12 شقيقا يعُولها أب يعمل في قطاع البناء وأم خادمة، قد يكون على بؤسه من العوامل الأساسية التي أيقظت فيها شعلة التسول السياسي والاقتصادي وحتى الإنساني”.
كل شيء في الكتاب يسخر من داتي “الوزيرة ذات الأسلوب المستفز والقرارات الارتجالية التي فطن الرئيس ساركوزي ذات يوم بمحدودية مهنيتها، فجرّدها من وزارة العدل، مُخيّرا إياها بين الترشح للبرلمان الأوربي أو “البطالة السياسية”.
ومن سوء حظ الوزيرة المغربية التي تعرضت لحملة تحقيرية منذ توليها، قبل بضعة أشهر، حقيبة الثقافة، أنها دخلت المجال السياسي في الزمن الذي اكتشف فيه بعض كُتاب السير ورؤساء تحرير المجلات الحديثة منها والعتيقة، أن الحياة الخاصة للسياسيين هي ضامنة الربح والشهرة معا، وأصبحت اليوم أهم من نشر فضائح نجوم السينما والغناء وعارضات الأزياء.
وتبقى رشيدة داتي حتى اليوم مادة شهية لوسائل الإعلام التي ما زالت تتعامل معها بنوع من الحيرة والاستغراب. فالوزيرة تمكنت منذ تنصيبها على رأس وزارة الثقافة، من أن تحتل الصدارة في بورصة الشعبية وتقدمت على أسماء نسائية ورجالية سبقتها إلى السياسة بعقود.
وفي استطلاع للرأي نشر في العدد الأخير من “الفيغارو ماغازين” جاءت، رغم “بطالتها السياسية”، سابعة في قائمة السياسيين الأكثر شعبية، وثانية من بين النساء. وهذه الشعبية تترجم عائدات في سوق بيع الصحف. لذلك تقاسمت رشيدة مع كارلا بروني، زوجة الرئيس، إيمانويل ماكرون، أغلفة المجلات الأسبوعية ونالت النصيب الأكبر منها.
وكما خاضت في الماضي معارك كثيرة تتعلق بأصولها وهويتها، فهي تخوض اليوم معركة دون انقطاع لإثبات الذات سياسيا واجتماعيا في انتظار الاستحقاقات القادمة التي تعوّل عليها للظفر بمنصب عمدة باريس، بحسب ما تتناقله وسائل الإعلام التي ترجح فوزها بالمنصب، وهي التي انتخبت عمدة بالدائرة السابعة، أرقى الدوائر الفرنسية، لأربعة استحقاقات متتالية. رقم لم تحققه أية سيدة في التاريخ السياسي الفرنسي.
والكتاب الذي تصدره دار “أمازون” للنشر يثير اليوم بما يتضمنه من تهجمات قوية على الوزيرة من أصول مغربية، جدلا جديدا بفرنسا حول حرية التعبير التي تتجاوز في الكثير من الأحيان حدود اللياقة إلى درجة أن عدد الشكايات المرتبطة بالتشهير والمساس بالحياة الشخصية فاقت في السنة الماضية الألف شكاية.
ويبقى السؤال المطروح: لماذا داتي وحدها من غير شخصيات سياسية أخرى، بعد أن بلغت الإصدارات عنها حتى الآن خمسة كتب معظمها متحامل عليها؟ يرُدّ أنصارها على قلتهم: كل المقومات حاضرة لتجعل منها موضع اهتمام: السلطة، الأنفة، العمق.. تمارس جاذبيتها على الفرنسيين حتى وإن قالت “لست شيئا من كل هذا”.. صورتها اكتسحت البيوت حينما لم تبق في الأكشاك سوى نسخة واحدة من مجلة ‘’ELLE’(هي)، بغلاف داتي.. تبدو متعالية، لكنها ليست كذلك حتى وإن قيل عنها إنها تنظر للناس وللأشياء بكثير من الاستعلاء وأحيانا بنوع من الغرور. “قدري أن أعطي الانطباع أنني ذات كبرياء وتعالي مُفرطين، غير أنني بكل بساطة خجولة أضع لنفسي مسافة للترقب والاحتماء”..