الأخبارسياسة

درس فشل إحياء حركة 20 فبراير بعد أن فات أوانها

الخط :
إستمع للمقال

تم إحياء ذكرى 20 فبراير 2011 بالرباط يوم السبت بحضور قارب 600 شخص في أحسن الأحوال حسب تقديرات متقاطعة، ضم عددا من اليساريين من الاتحاد الاشتراكي واليسار الموحد والنهج ومجموعة من المعطلين والأساتذة المتدربين،وقلة من شباب حركة 20 فبراير ممن كانوا مبادرين بإطلاق الحراك المغربي، بينما سجل غياب جماعة العدل والإحسان التي كانت قد التحقت بها وأعطتها بعض الزخم لشهور ثم انسحبت.

وكان الفشل مآل المحاولات التي بذلها يساريون لتنظيم تظاهرات في مدن أخرى لإحياء نفس الذكرى .

وكان واضحا من شبكات التواصل الاجتماعي أن ليس هناك حماس لدى من كانوا وراء إطلاق ذلك الحراك ومن شاركوا فيه للعودة إلى التظاهر في الشارع العام كما حدث في 20 فبراير 2011 وبعدها لعدم وجود أي رهان.

343c1624-56da-40be-999c-875795f9e491

ويبدو أن من تعبأوا لإحياء الذكرى الخامسة لحراك 20 فبراير كانوا واعين، قبل غيرهم، بأن ذلك الحراك انتهى منذ صيف 2011 عندما قررت جماعة العدل والإحسان لأول مرة الانسحاب منه بسبب عدم قدرتها على السيطرة عليه وضمان انتقاله من حراك أسبوعي بأفق إصلاحي غالب يؤكد على شعار “الملكية البرلمانية” إلى “قومة” مطابقة لأحلام مرشد الجماعة عبد السلام ياسين وإلى مواجهات شبيهة بتلك التي شهدتها بعض الدول العربية الغارقة في الفوضى والدم إلى الآن.

وإذا كان بعض هؤلاء يتصرفون، كعادتهم، من منطلق الحنين إلى ما كان ، بدل النظر إلى الحاضر والمستقبل بعيون صاحية وعقل متحرر من رواسب منهج التفكير السلفي المولد للميل النكوصي وليس التقدمي، فإن البعض الآخر، وإن كانوا قلة، يتعاملون مع حركة 20 فبراير كريع يتاجرون به في الداخل والخارج بشكل يمكن القول بشأنه أنه بعيد عن الأخلاق، المفروض توفرها في مناضل تقدمي أو يساري يحمل في عقله وقلبه هم الفقراء والمحرومين ويناهض الفوارق ويدافع عن الحريات وحقوق الإنسان ويرنو إلى بناء مؤسسات ديمقراطية بصفاء طوية وابتعاد عن الانتهاز والاستغلال والنفخ في الذات المريضة والميول التسلطية.

وتبين اليوم أن المغاربة باتوا واعين أن اختيارهم الجماعي بتدبير الحراك المغربي عبر البحث عن حلول وسطى قادت إلى إصلاحات دستورية وسياسية ومؤسساتية، لم تنضج بعد في التنفيذ بكل تأكيد، كان الاختيار الأسلم، لأنه أدى إلى الحفاظ على استقرار البلاد والدولة والاقتصاد وجنب الشعب المغربي المآسي التي تعاني منها اليوم شعوب عدد من البلدان العربية التي تفجرت وسطها ألغام الصراعات الطائفية والقبلية وانهارت دولها وتم تدمير اقتصادها وبنياتها التحتية وانتشر بها الفقر والتشرد .
وعادت فيها قوى القرون الغابرة لتدمير المكاسب الحضارية وفرض الظلام والرجعية والدفع بالناس إلى هروب جماعي من القتل والحفاظ على الحياة في الملاجئ.

فما سمي ب”الربيع العربي”، تبين أنه كذبة كبرى وأن ما حدث تم بفعل فاعل أراد زرع الفتن بأهداف استراتيجية وجيوسياسية لم تعد خافية على الخاص والعام، حيث كان المستفيد المباشر هو دولة الاحتلال الصهيوني التي يمكن لها اليوم أن تصول وتجول كما تشاء، والمستفيدون على المدى المتوسط والبعيد هم الشركات التي ستأتي من الغرب والشرق لإعادة إعمار المناطق التي غزاها الدمار وفتح الأسواق والحيلولة دون هبوط الأرباح … وكانت قطر وجزيرتها، التي تولت التحريض وجاءت بالقرضاوي وعزمي بشارة وكل مرتزقة الكلمة لدعم مسخري الأمير، أداة لتمرير ما أراده المقررون في الخفاء، إلى جانب الجماعات الإسلامية المتطرفة التي راهنت على دعم وتعاطف المحافظين الجدد المتصهينين.

ومن المؤكد اليوم أن أموالا كثيرة صرفت من خزائن وسخة لشراء الذمم وتحريك النعرات وبسط الطريق أمام الإسلاميين بمختلف تلاوينهم ليقوموا بالدور المنوط بهم. وكان الجمع الذي نظمه الرئيس مرسي المطاح به في مصر لفلول الجماعات الإسلامية المختلفة باسم التضامن مع السوريين ضد الأسد لحظة انكشفت فيها لعبة خطيرة كانت تستهدف بلدان عربية أخرى. ومن حسن الحظ أن المغرب انتبه للعبة مبكرا، لأنه كان أول المستهدفين حسب ما تبين، وقاومها وأفشلها وإلا لكانت الأمور قد أخدت مسارات درامية وليس مسار الإصلاح في إطار الاستقرار الذي يناسب تجربتنا التاريخية ووحدة الشعب المغربي القائمة على الإحساس بالانتماء إلى الوطن أولا وقبل كل شيء، بعيدا عن التصدع المذهبي الذي يرغب البعض في نشر عدواه اليوم وقتل الوطنية المغربية كأساس ثابت للحل الوسط التاريخي الذي تم التوافق عليه منذ المعركة من أجل الاستقلال.

وحين يتملق بعض المحسوبين على التقدميين لجماعة العدل والإحسان بحثا عن القواعد التي لا يملكونها، بسبب عيشهم في العسل في إطار مجموعات مغلقة تشبه “سيكت”، فإنه لا يمكن تصنيفهم ضمن “مجانين الثورة” المعروفين بإراديتهم وميلهم إلى حلم اليقظة، وإنما يمكن التساؤل عن نزاهتهم. لماذا يصرون على إحياء حركة انتهى عمرها الافتراضي بعدما لعبت دورا إيجابيا في تجاوز الركود، بل وحتى خطر التراجع، وجعلت الإصلاح يصبح أجندة وطنية مفتوحة على أفق الدمقرطة والتحديث، وإن كانت الحكومة الحالية بالحسابات الحزبية الضيقة لمكونها الإسلامي لا تخدم تحققها بالوتيرة المطلوبة.

لقد انتهت حركة 20 فبراير والحراك المستمر اليوم يأخذ شكلا جديدا، قطاعيا وسياسيا وفكريا وهو يستفيد، بكل تأكيد من نتائج حراك 20 فبراير فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان، وكل محاولة لإعادة الزمن إلى الوراء ستكون تصرفا سلفيا، عندما لاتكون الدوافع مرتبطة بالمال والأجندات الخارجية البئيسة، لذلك يجب التوجه للمستقبل، فأسئلة ما بعد الحراك لن توجد لها أجوبة فيما مضى وانقضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى