حملة تبون الانتخابية القذرة.. واهِم من يعتقد أن هناك من رادع للرئيس الجزائري الماكر، غير “كبرها تصغار”
“كبرها تصغار”، عبارة شهيرة نطق بها الحكيم الراحل الحسن الثاني في 8 غشت من سنة 1979، مودنا بمعركة كاسحة ضد الانفصاليين الذين حاولوا، مؤازرين بموريتانيا والقوات الجزائرية، السيطرة على بئر أنزران، الممر الضروري إلى مدينة الداخلة. المعركة انتهت برفع القوات المسلحة الملكية العلم الوطني على مباني مؤسسات الداخلة، بعد أن شطبت المنطقة من أي تواحد انفصالي أو جزائري.
“كبرها تصغار” كانت دائما كما قال عنها الرحل الحسن الثاني “ركنا من أركان سياستي في الداخل والخارج”. سياسة تروم التعامل بنبل وتسامح مع المحيط الخارجي، وخاصة مع من يجمعنا بهم المصير المشترك، حتى إذا بَغَوا جاز في حقهم العقاب، بقلب الطاولة عليهم بشكل رادع وحاسم، امتثالا لقوله تعالى :”فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم”. فكما يطالب حاكم الجزائر وبإلحاح هستيري في غير ما مناسبة، وخاصة في كل محطات حملته الانتخابية القذرة الحالية، بتقرير المصير لمواطنين مغاربة لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف الأشخاص يعيشون مرغمين وفي ظروف مزرية وغير إنسانية، في مخيمات تندوف، فمن يمنع الدبلوماسية المغربية، بل من واجبها، المطالبة بنفس الحق لسكان القبايل، وعددهم يتجاوز الثمانية ملايين نسمة، يعيشون منذ عقود طويلة تحت رحمة الاحتلال الجزائري المتسلط.
ومن هنا، فإن مبادرة اليد الممدودة باتجاه الجزائر بقدر ما هي ثابت بنيوي ناطق بسماحة ملكية نادرة في العلاقات بين بلدين يجمعهما التاريخ واللغة والدين ونفس المصير المشترك، بقدر ما يتجاهلها في نفس الوقت، الفكر اللئيم الذي جعل من قضية الصحراء، قضيته الوطنية الأولى قبل البطالة وتحسين القدرة الشرائية وتأمين الغذاء للشعب الجزائري.
والمعني الحقيقي لمقولة “كبرها تصغار” هو ألا نظل قابعين في موقف المدافع عن عدالة قضيتنا، إلى أن ينعم الله علينا بمسئولين جزائريين، قد لا يأتون، يراعون قواسم الجوار والدين والمصير المشترك.
“كبرها تصغار” معناها أيضا، الإصغاء لما يشبه الإجماع المغربي بشأن تبني دبلوماسية هجومية لدعم ثمانية مليون شخص قاريا ودوليا، ضمن مسعى إنساني يفضح الوجه القبيح للاحتلال الجزائري ولرئيسه الحاقد، عبد المجيد تبون، الذي لا يتوقف عن التباهي ب” “جاهزية جيوشه لردع التهديد القادم من المغرب وإسرائيل”، مكررا لازمته العدائية ب”عدم التخلي وبأي ثمن، عن مرتزقة البوليساريو وعن “حقهم المغتصب كما اغتصب حق الشعب الفلسطيني” على حد زعمه الشيطاني البئيس.
واهِم إذن من يعتقد أن هناك من رادع للرئيس تبون، غير المواجهة على قاعدة “البادي أظلم”. غير ذلك سنضع عبارة “كبرها تصغار” في الرفوف، وسنركُن لدبلوماسية دفاعية تُدرئ الشر ولا تقتلعه من جذوره. هو غير مُتتبع، برأيي، لمجريات الأحداث المتلاحقة بشأن الصحراء المغربية، من يغيب عنه أيضا، أن الرئيس تبون يخشى من بين من يخشى، الفارس عمر هلال الذي أدخله في هستيريا من الغضب، لمجرد إثارته حق سكان القبايل، المناطق الشرقية بالجزائر، وعاصمتها تيزي وزو، في تقرير مصيهم. عمر هلال الذي زلزل الأرض تحت أقدام الطغمة الجزائرية، حين ندد وبقوة بالاحتلال الجزائري الغاشم لمتطقة القبايل.
“كبرها تصغار” تعني من بين ما تعنبه، ألا تصالح مع الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر ومع رئيسها المنتهية ولايته، عبد المجيد تبون، إلا إذا تغير موقفهما من موقف الغل والعداء، إلى موقف التآخي والتصالح. فلا مِن يد أخرى ممدودة باتجاه لئيم ناكر للمعروف، يرفض استحضار الدعم السياسي والعسكري الذي لقيته بلاده من الملك الراحل محمد الخامس في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ويرد على ذلك بلؤم أحقر دناءة وسفالة من كل من سبقوه من رؤساء، ممن حاولوا بالرغم من المواقف العدائية ضد المغرب، ومن سياسة التدجين والشحن، تليين مواقفهم بما يُجنب إقحام الشعبين المغربي والجزائري في الخلافات السياسية.
ولا مِن تصالح بعد اليوم مع حاكم أثبت خلال السنوات الخمس التي مارسها في الحكم، أنه مخادع متقلب المزاج يتجنبه حتى المقربون، بسبب تقلباته المزاجية وردوده الانفعالية، أما معارضوه ومعظمهم أودعوا السجون، فيعتبرونه طاغية كثير الغرور وعديم الكفاءة.
“كبرها تصغار” هي رسالة مفادها ألا حتى حديث مع ماكر سقط إلى مثل هذا الانحدار الخُلُقي القائم على “صوتك مقابل إنقاذك من غزو وشيك قادم من المغرب وإسرائيل”. انحدار سبقته توجهات زنديقية أخرى عديمة الأخلاق، وبعيدة كل البعد عن ثوابت الجوار، الغرض منها إخماد وهج الارتباط بين الشعبين المغربي والجزائري، الذي بدأت ملامحه تظهر في وتيرة التلاسن والتراشق المرتفعة، بين الشعبين على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى المواقع الإعلامية المختلفة.
وبغض النظر عن الحملة الانتخابية السريالية، التي يحيطها الماكر تبون بسياج من المغالطات الملفوفة بمزبلة من القاذورات الكلامية عن المغرب ورموزه، بغاية خلط الأوراق وشحن أفراد الشعب الجزائري على أشقائهم المغاربة، فإن الرجل جعل من التقارب مع إيران وحزب الله، وغيرهما من الأذرع الإيرانية الخبيثة، أولوية في سياسته الخارجية. تماما كما جعل من انفصاليي البوليزاريو أولوية وطنية تفوق كل الأولويات، وخيارا سياسيا لتمتين بقائه في الحكم، وتفويت سنوات من النماء والرخاء على الشعب الجزائري الذي تتزايد حاجياته كل يوم إلى الكرامة والعيش اللائق.
وكما يكذب باستمرار على العالم بشأن النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، الذي صار لازمة أساسية في حملته الانتخابية، فإنه لا يجد حرجا في الكذب على شعبه وبلده الذي صنفه ب”ثالث اقتصاد عالمي”، في خرجة انتخابية جعلت الكثيرين من المراقبين المحليين والدوليين يشككون في قدرات الرجل العقلية، وهو الذي يطل على الثمانين من عمره، فيما وضعه الصحي يثير الكثير من المخاوف بسبب معاناته من وهن متزايد، ومن حالات إغماء منتظمة نتيجة مضاعفات إصابته بفيروس كورونا.
لا ما من ضرر يا سيادة المرشح، فالشعب الجزائري تعوّد على إحاطة رؤسائه المرضى بسيل جارف من التعاطف والتآزر، كما كان حال الرئيس بوتفليقة، الذي ظل، رحمة الله عليه، متمسكا بالسلطة على كرسي متحرك، حتى آخر أيام حياته. ومن هنا، فإن الحالة الصحية للرئيس تبون ليست عامل إحباط أو نقص، كما قد يتبادر إلى الدهن. فكلما تدهورت حالته الصحية، شافاه الله، وكلما زاد في الثمانينات، أطال الله عمره، كلما تقوّت لديه الفرصة في الفوز بولاية ثانية وثالثة…