حماس.. من شرعية المقاومة إلى همجية القتل
“الانضباط في الحرب هو أهم وأسمى من الانضباط في حالات السلم!”
لذلك عندما سُئل عبد الكريم الخطابي عن عِلَّة عدم دخوله مليلية رغم أن الطريق كان سالكا ومعبدا بعد انتصارات معركة أنوال، قال جملته الشهيرة “رجالنا مُفتقرون، حتى الآن إلى الانضباط، وسوف يَقضون على المدنيين”.
فشيم المقاوم المغربي ليست هي نفسها “مَناقب” مُقاتلي حماس اليوم. فعبد الكريم الخطابي لما استنكف عن دخول مليلية رغم انهزام الجيش الإسباني، كان يَتذكر لا محالة حادثة جبل العروي، ولم يُرد تلطيخ مُقاومته بالهمجية والبربرية، فهو كان يُدرك جيدا ما قام به رجال القبائل عندما ذَبَحوا ما يَربو من 3000 جندي اسباني، باستثناء الجنرال نافارو وبعض الضباط القلائل.
ورغم أن حماس “تُقاتل” اليوم بشرعية المُحتلِّ ضد الاحتلال، وهي نفسها الشرعية التي كان يَنهل منها عبد الكريم الخطابي، إلا أن الفرق واضح وكبير بين من كان يُقاتل بأخلاق الكِرام، ومن كانت لديه نَظرة جيواستراتيجية للثَّورة والنِّضال ضد الاستعمار، وبين من يَسحل اليوم الجثث ويَسبي النساء ويَئد الأطفال الصغار تحت تهاليل “الله أكبر”.
للأسف الشديد، تَعاملت منظمة حماس مع ما تُسميه عملية “طوفان الأقصى”، بمنطق اختطاف طائرة، كما قال الصحفي السعودي طارق الحميد! فهي تَضمن لها ولباقي الفصائل تغطية تلفزيونية مُستمرة لمدة 24 ساعة، ثم يَعقب ذلك عقوبات ومعاناة لعقود قادمة بحق الفلسطينيين.
أما عبد الكريم الخطابي، وكما يَروي عنه صديق دربه محمد أزرقان في مذكراته، فقد سَلك وقتها طريق الشورى مع باقي المجاهدين وهم على أبواب مليلية، فتَوافقوا على عدم دخولها “خشية الفَتك بمن فيها من أجانب ومسلمين، ولم يَكن في هذا الإبان عندهم عسكر نظامي يحافظ على ترك النهب، وقتل النساء والصبيان من الإسبان وغيره”.
والمؤسف أن مقاتلي حماس لم يَكن لديهم هذا المنسوب الكافي من الانضباط، الذي كان يُراهن عليه عبد الكريم الخطابي، ولم تَكن عندهم كذلك شيم المقاوم المغربي الذي جَلب المصلحة ودرء المفسدة خوفا من التمثيل بجثث الاسبان، رغم أن جنودهم كانوا يَقومون بأبشع مما تقوم به إسرائيل اليوم.
بل إن الصور والمشاهد التي يَحتفظ بها العالم اليوم، لما سمي ب “طوفان الأقصى”، لا يُظهر فيها سوى القتل الهمجي والسرقة والحرابة والنهب، ولم يحفظ منها الرأي العام الدولي سوى ازدراء صور التنكيل والتمثيل بالجثث على قارعات الطريق في هازعات الليل.
فمنظمة حماس استطاعت فعلا أن تُشيطن نفسها بنفسها، وأن تعطي للعالم الغربي الصورة التي كان يريدها، وهي أنها ميلشيات في يد إيران، تَقتُل الأطفال وتَغتصب النساء وتُشيع القتل بدم باردة، وهو ما سيدخل (لا مناص) القضية الفلسطينية في نفق مسدود، لأن التعاطف أصبح يَنتقل حاليا من جهة الفلسطينين إلى خانة الإسرائيليين.
ولن يبق في صف الفلسطينين، بعد اليوم، سوى فئة قليلة من المطبلين في الدول العربية، ممن ينساقون بسرعة مع شعبوية الشعارات القومية، وممن يَبتهجون ويَفرحون لصور الدم المسكوب في الشوارع، أما العالم، وخصوصا الغرب، فسوف يُعطي ظهره للقضية الفلسطينية بشكل لا رجعة فيه.