ليس من حق المغاربة استهجان وازدراء “التدخل السافر لخالد مشعل في الشؤون الداخلية للمغرب”!
ولا يقتصر هذا الحظر والمنع على مصادرة حق المغاربة في التعبير، بل يمنع عليهم حتى التعليق أو إبداء رأي مخالف لما صدر عن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بالخارج، رغم أنه حشر أرنبة أنفه في قضايا المغرب والمغاربة.
هكذا صدحت آمنة ماء العينين في الفايسبوك، بلا خجل ولا وجل، ملمّحة إلى أن من يفعل ذلك من المغاربة، فهو آثم قلبه، ومذنب في جوارحه، راجمة المدونين والمغردين الغاضبين من تصريحات خالد مشعل بأنهم يخوضون في “بوليميك قابل للإرجاء والتأجيل”، وأنهم غير قادرين على إدانة الجلاد والانتصار للضحية.
هكذا هي تمثلات آمنة ماء العينين للحرية الفردية، رغم أنها اكتوت كثيرا بالنيران الصديقة، عندما حاولت التحليق عاليا، بحرية وبدون حجاب، تحت مروحات الطاحونة الحمراء بالعاصمة الفرنسية باريس.
ومن المفارقات الغريبة، أن آمنة ماء العينين لم ترَ في تصريحات خالد مشعل أي تدخل سمج ولا خوض أرعن في قضايا المغرب والمغاربة! بل على النقيض من ذلك، رأت فيه الدماثة والنيافة والبلاغة في الرأي والتعبير!
ولا أدري هنا هل كانت ماء العينين تتحدث بلسان الوطن أم الجماعة؟ إذ ليس هناك مواطن مغربي واحد، له انتماء خالص للوطن، قد يقبل على نفسه أن يملي عليه خالد مشعل ما ينبغي القيام به، وما يتعين الاستنكاف عن فعله!
ولئن كانت ماء العينين، ومعها أتباع حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، يقبلون على نفسهم أن يكونوا قطعانا في “صروف” خالد مشعل، وإن كنا ننزههم عن ذلك، فإن باقي المغاربة هم أسمى من ذلك بكثير.
فخالد مشعل تجاسر كثيرا عندما منح لنفسه صلاحية تقييم وتنقيط قرارات المغرب السيادية، كما تهافت كثيرا عندما وصف قرار استئناف العلاقات المغربية مع إسرائيل، بأنه خطأ جسيم يتوجب إصلاحه!
فمن يكون خالد مشعل ليقول هذا الكلام البئيس ؟ وبأي صفة انبرى الرجل يخاطب المغاربة ويؤلبهم على قيادتهم السياسية؟
ومن خوّل لهذا “المناضل المعار إلى بلد أجنبي منذ عقود”، أن يرسم للمغاربة خطوط التعامل مع أمريكا وإسرائيل والدول الغربية الكبرى؟
وإذا كانت تصريحات خالد مشعل لم تستفز مشاعر آمنة ماء العينين ومعها عبد الإله بنكيران وغيرهما من الأتباع والمريدين، فقد جثمت الشعبوية على قلوبهم، وأطبقت الإيديولوجيا على تفكيرهم، وصاروا مثل “أشبال داعش”، حيث لا مكان لديهم للعقل في مقابل إملاءات النقل والفتاوى الوافدة من الخارج.
فمن المؤسف حقا أن أعضاء حزب العدالة والتنمية، ومعهم ذراعهم الدعوي، لم يجاهروا برفض تصريحات خالد مشعل المشوبة بالتدخل الفاضح في شؤون المغاربة، وإنما أستلوا سيوف التخوين وأشهروها في وجه باقي المغاربة الرافضين لهذه التصريحات.
ولم يكتف أعضاء حزب العدالة والتنمية وحركة الإصلاح والتوحيد بقبول “انتهاك السيادة الوطنية”، وبالتطبيع مع تصريحات “الإذعان” التي صدرت عن خالد مشعل، بل سارعوا إلى تخوين مواطنيهم المغاربة الذين عبروا عن رأي رافض ومخالف! وفي ذلك رعونة مفضوحة واستيلاب غير مقبول نهائيا.
فكان حريا بآمنة ماء العينين أن تدافع عن الحق في الاختلاف، لأن السواد الأعظم من المغاربة اعتبر تصريحات خالد مشعل غير مقبولة، ومدانة باسم الوطنية وتمغرابيت، لا أن تلبس هي الأخرى رداء حركة حماس، وتتأبط نصل الحسام، وتهاجم بكثير من التكالب المغاربة الذين عبروا عن رأي مخالف.
لكن من هان جاز الهوان عليه. وقد هان حزب العدالة والتنمية عندما قبل على نفسه الركوب على أحداث غزة، والتعامل معها بمنطق استغلالي مقيت وكأنها “أصل انتخابي”.
وقد هانت آمنة ماء العينين عندما أسدلت على خالد مشعل وصف “القداسة”، ولما تنكرت كذلك لمرتكزات الحرية الفردية، تلكم الحرية التي طالما استرقت نسماتها عندما كانت تتصالح مع ذاتها في مضاجع “المولان روج الباريسية”.