المتمعن في بعض خرجات قياديي حزب العدالة والتنمية يجد نفسه مشدوها اتجاه عدد من المواقف المتناقضة التي لا تبرح حقيقتها المزوقة سوى ساعات أو دقائق لتكشف المخفي، وهذا تماما ما حدث مع برلماني الحزب عبد العلي حامي الدين، الذي وفي أقل من أسبوع واحد، راوح مكانه بين محاولة إقناع بعض متابعيه بأن حزب المصباح لا علاقة له بإخوان مصر وتنظيمهم العالمي، قبل أن ينقلب ممجدا في رموز الإخوان مع إعلان وفاة قيادي الإخوان محمد مهدي عاكف داخل السجن مؤخرا.
القصة ابتدأت عندما حرر حامي الدين تدوينة مطولة عبر حسابه الفيسبوكي في 20 سبتمبر الجاري، جمع فيها بمناسبة ما يسميها إخوان البيجيدي “مسيرة ولد زروال” التي ما زالت تحرق دم البيجيديين على امتداد عام كامل مر، حيث “أبدع” حامي الدين في التأصيل لخلع “ربقة الإخوان” عن رقبة البيجيدي، وأن “إخوان البيجيدي” لا علاقة لهم “بإخوان مصر”، منتقدا في ذات الوقت أسلوب تعامل فترة حكم مرسي، خصوصا في ما تعلق بعلاقة مصر بإسرائيل وتحدي “اتفاقية الصلح” بين البلدين لأجل “التضامن مع غزة”.
بالإضافة لذلك انتقد حامي الدين في التدوينة ذاتها، تعامل إخوان مرسي مع الأقاليات الدينية والأيديولوجية المتواجدة بمصر، في مقابل الانفتاح اللامشروط لإخوان البيجيدي مع فئات مشابهة في المغرب، حيث كتب بأنه “رغم قوة تنظيمها فإن جماعة الإخوان المسلمين كانت تعاني من معارضة شديدة من طرف فئات شعبية واسعة، من أبرزها ملايين الأقباط الذين ينظرون بعين الريبة والشك إلى هذه الجماعة، بالإضافة إلى العديد من النخب الفنية والفكرية والثقافية، التي كان من السهل تأليبها ضد حكم الإخوان، وهو ما لا ينطبق على حالة العدالة والتنمية في المغرب الذي حظي باحترام واسع من طرف الجميع”، وهي السطور التي حاول من خلالها حامي الدين حماية البيجيدي من شبهات نسخ مشروع الإخوان.
المحاولة السابقة لحامي الدين -الذي اتبع في خطوته تلك درب بنكيران وباقي قيادات البيجيدي- لتبرير عدم وجود أية علاقة أو رابطة بين عمل البيجيدي ومشروع الإخوان المسلمين العالمي الهادف للسيطرة على مفاصل الدول التي ينشطون بها تحت رايات متعددة، تبخرت وبسرعة مع إعلان وفاة المرشد العام السابق للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف في أحد سجون مصر، في 22 سبتمبر الجاري، أي يومين فقط على التدوينة الأولى لحامي الدين، حيث وبمجرد إعلان رحيل عاكف، عمد حامي الدين -ومعه قيادات من البيجيدي كأمينة ماء العينين وغيرها- إلى نشر التدوينات تلو التدوينات ليس فقط للترحم على شخص عاكف الراحل -وهذا حق انساني بالدرجة الأولى- ولكن لإبراز دور االإخوان ومظلوميتهم في مواجهة نظام حكم السيسي أو ما يعبرون عنه بـ”نظام القمع”.
حامي الدين وبالإضافة لنشره آيات قرآنية صورت عاكف في درجة الصحابة الأبرار والشهداء الصديقين، وما إلى ذلك، اختار قناة إخوانية تبث وتمول من تركيا هي قناة “مكملين”، للخروج بتصريحات تثبت انتماءه الإخواني، وتهاجم بألفاظ لاذعة نظام حكم السيسي في مصر، رغم موقع حامي الدين كبرلماني عن حزب يسير الحكومة بالمغرب، والذي يفرض عليه التريث قبل إصدار أوصاف وأحكام اتجاه سيادة الدول المستقلة، كي لا تتسبب زلات اللسان المغلفة بالعواطف الإسلاموية، في خلق أزمات ديبلوماسية، المغرب في غنى عنها.
ولم يكتف حامي الدين في لقائه على “قناة مكملين” يوم 22 سبتمبر، بوصف وفاة عاكف بأنه “صدمة ودراما حقيقيا”، بل تعداه للدخول في شؤون مصر الداخلية بالقول إن “وفاته هي من عواقب الانقلاب العسكري في مصر”، بحسب وصف رجل البيجيدي الذي زاد أيضا بأن “الوفاة ترجع إلى المحاكمة الظالمة لقادة سياسيين، دافعوا بطريقة سلمية عن الكرامة والحرية والديمقراطية، وأن وفاة عاكف كانت بسبب ظروف احتجازه”.
تصريحات حامي الدين ورغم أنها قرئت لدى كثير، خصوصا من قيادات حزبية في مصر، على أنها تدخل لامسؤول من طرف قيادي في حزب الحكومة بالمغرب، فيما لا يعنيه، إلا أنه أكد وبالملموس أن ارتباط البيجيدي بالإخوان في مصر، شيء حقيقي، يعكس طموح إخوان البيجيدي لتدارك أخطاء تجربة مرسي، للتمكن من الوصول والتحكم في مفاصل الدولة في المغرب.