منذ بدء انتشار النقاش السياسي داخل المجتمع المغربي، وخروجه من دائرة الاحتكار الذي مارسته النخب لسنوات، صدحت الأصوات والآراء وخصوصا في ظل الدستور الجديد، بضرورة الكف عن الريع السياسي ومحاربته بالمغرب في شتى القطاعات العمومية، لعل أبرزها على الخصوص الدعوة لتقليص المناصب الوزارية التي يرى فيها الكثيرون تساهم في تبديد المال العام، بالإضافة إلى كونها تشتيتا للتركيز في العمل الحكومي، بسبب تقسيم قطاعات وتوزيعها ما بين وزراء ووزراء منتدبين.
طلب تقليص الوزارات والذي لم يتم التجاوب معه إلا بقدر قليل في ظل حكومة بنكيران، المؤسسة وفق دستور 2011، حين اكتفت ب31 وزارة قبل أن تصعد من جديد إلى 39 حقيبة بعد تعديل 2013، ثم عودة الحديث مجددا اليوم مع حكومة العثماني التي حافظت على الرقم 39، وبفارق بسيط تجلى في تعويض بعد الوزراء أو الوزراء المنتدبين، ببعث منصب كاتب الدولة من الجديد للحياة الحكومية، كل ذلك أعاد النقاش عن جدوى دمج بعض القطاعات الوزارية التي قد تبدو بعيدة من بعضها.
وزارتا الثقافة والاتصال واللتان تم دمجهما في حكومة العثماني التي ما زالت تنتظر النصيب الحكومي، طرح إشكالية التوافق ما بين القطاعين، وكذا الإمكانيات المتاحة ليتم إيفاء القطاعين حقهما من التطوير والإصلاح بعدما عاشا سنوات من التهميش وضياع المطالب، خصوصا وأن تجربة الجمع سبق لها وأن جربت في حكومة التناوب على عهد الوزير محمد الأشعري، قبل أن يتم التراجع عنها لاحقا.
الإعلامي نزار الفراوي لا يرى في الجمع بين وزارتي الثقافة والإعلام “أمرا غريبا، كونه درج في عدة تجارب حكومية دولية بالنظر إلى التقارب العضوي بين الشأن الإعلامي والثقافي، وهو بالتالي يشكل عودة إلى الصيغة التي اعتمدت في حكومة 2002، حين أضيفت حقيبة الاتصال الى حقيبة الثقافة التي كان قد تولاها محمد الأشعري في ظل حكومة التناوب”.
ويذهب الفراوي إلى القول بأنه “وبغض النظر عن المسوغات السياسية وإكراهات هندسة التحالف الحكومي، وإملاءات توزيع مراكز التأثير والنفوذ داخل الجهاز الحكومي، فإن هذا الجمع بين الوزارتين يكتسي أهمية نسبية على مستوى تدبير ملفات الحقلين الاعلامي والثقافي على اعتبار أن الأمر يتعلق بجمع بين وزارتين وليس بدمج بينهما على المستوى الهيكلي”.
ويتابع المهتم بالشأن الإعلامي “لكن على المستوى الرمزي، قد يشير التخفيف من الوزن البيروقراطي لكل من الوزارتين عن طريق الجمع بينهما إلى إمكانية الدفع الى الأمام في اتجاه ” تفويت” شريحة متزايدة من المهام والصلاحيات الى الهيئات المهنية العليا التي تنتظر التفعيل، ويتعلق الأمر، من جهة، بالمجلس الأعلى للصحافة، الذي يفترض أن يتولى تدبير جانب هام من حكامة القطاع الاعلامي، ضبطا وتقنينا، من خلال مشاركة وازنة لممثلي المهنيين، ومن جهة ثانية، بالمجلس الوطني للثقافة واللغات الذي ينتظر هو الآخر أن يشكل عصبا لتدبير السياسة الثقافية واللغوية في البلاد”.
ويضيف “عمليا، ينبغي التذكير بأن الجمع بين الثقافة والاعلام يلبي مطمحا قديما لمهنيي الفنون الدرامية، والنقابات الناطقة باسمهم. ذلك انه من وجوه الاختلال في تنظيم وحكامة الحقل الفني، حتى اليوم، أن وزارتي الثقافة والاتصال كانتا تتوزعان صلاحيات الاشراف على المجال، مما يعقد وضعية الفنان والنقابات الفنية في ايجاد مخاطب موحد. فالفنان نفسه يجد نفسه تحت وصاية وزارة الثقافة وهو يؤدي عملا مسرحيا أو موسيقيا، ويجد نفسه تحت إشراف وزارة الاتصال وهو يشارك في فيلم سينمائي. ولذلك ما فتئ المهنيون يطالبون إما بضم السينما إلى وصاية وزارة الثقافة أو الجمع بين الوزارتين”.
من جانبه يعتبر الفنان والناشط الثقافي محمد الشوبي أن “جمع وزارتي الاتصال والثقافة كان مطلبا في الأوساط الفنية منذ مدة، كونهما قطاعين ذا شأن واحد، فالتواصل يجمع بين الابداع والخبر، ويجمع بين ما هو ثقافي وما هو فني بالتالي فإن هذا المعطى، هو مكسب، والتفرقة التي كانت، لا تليق لا بالمغرب ولا بالدول التي تعتبر شريكة للمغرب في هذين القطاعين، خصوصا على المستوى الإفريقي، والذي تقوم فيه عدد من دوله على جمع القطاعين”.
ويتابع الشوبي “هذا المكسب يجب الحفاض عليه، خصوصا مع تواجد الهاكا، وفي انتظار تأسيس المجلس الأعلى للثقافة ما يبوئ هذه المجالس لتكون لها رؤية شاملة لما هو ثقافي وإعلامي وتواصلي في المغرب”.
الشوبي لا يخفي تخوفه من تأثير الاتصال على الثقافة بالقول: “من طبيعة الاتصال أنه يغلب على الثقافة لذلك على الوزير الجديد محمد الأعرج، ألا يغلب جهة على الأخرى، فالاتصال حاضر في اليومي، والثقافة حاضرة في اليومي لكن بشكل متردد، لذك فالواجب على وزير القطاع أن يكون بمثابة الجراح المختص، الذي يستطيع استئصال ما يفرق بين الثقافة والاتصال لأن الاتصال بدون ثقافة ليس اتصالا والعكس صحيح أيضا”.
ويضيف الشوبي “التحدي اليوم هو صناعة التوازن بين القطاعين، حتى لا يحدث للاتصال ما حدث له منذ عهد استلامه من طرف الداخلية ووصولا عند فترة الوزير السابق مصطفى الخلفي، حيث أصبح الصحفي والمثقف لا يساوي شيئا داخل الحركية الإعلامية والثقافية على حد سواء”.
الباحث في العلوم السياسية فضيل التهامي يرى من جهته أن “الجمع بين قطاعي الثقافة والإعلام في حقيبة واحدة يعود إلى التوجه الذي حاولت حكومة العثماني انتهاجه، من خلال استراتيجية تقليص المناصب الحكومية، التي كانت مطلبا لدى الكثيرين، وهو ما لم يتحقق إلا من خلال تعويض وزارات بوزارات منتدبة و كتاب للدولة”.
ويضيف الباحث بجامعة محمد الخامس أن “الجمع بين وزارتي الثقافة والاتصال على غرار قطاعات أخرى، قد يفرز قطاعات وزارية هجينة ومتشعبة، مما قد يخلق صعوبات في أداء مهامها، رغم أن هذا الجمع بين العديد من القطاعات الوزارية في حكومة العثماني يعود سببه بالأساس، وفقط، لخلق مجموعة من التوازنات السياسية بين الفاعلين الحزبيين، المشاركين في التحالف الحكومي السداسي، على أساس تحقيق نوع من التراضي بين الأحزاب المشاركة”.