جماهيري يكتب: جديد الجزائر والصحراء.. هناك هوس، هناك وسواس قهري.. فالانتحار ليس بعيدا!
خصص عبد الحميد جماهري، رئيس تحرير ومدير نشر يومية الاتحاد الاشتراكي، عموده “كسر الخاطر”، في عدد الجريدة الصادر يوم غد الجمعة 16 غشت الجاري، للحديث عن المواقف العدوانية للجارة الجزائر، وعقدة الكراهية للمغرب والهوس المرضي بالصحراء المغربية.
واختار جماهري لعموده “كسر الخاطر”، المتعلق بهذا الموضوع، عنوان “جديد الجزائر والصحراء.. هناك هوس، هناك وسواس قهري.. فالانتحار ليس بعيدا !”، وجاء فيه ما يلي:
منذ مدة، صار كل ما تقوم به الجزائر من مبالغة، يصنف عند المغرب في خانة اللامعنى، ويوضع، بغير قليل من الجزم، ضمن وسائل تفسير السلوك الأرعن، واللاعقلاني أحيانا، الذي تسارع إليه الطبقة الحاكمة، لتمديد النزاع مع المغرب، وتحويله إلى عرض من أعراض الهوس النفسي المريض.
كنا نعتقد مع وزير خارجية بونابارت، الشهير Charles-Maurice de Talleyrand-، أن كل ما تبالغ فيه الجزائر سرعان ما يسقط في العبث، ويصبح بلا معنى وبلا جدوى..
مللنا كثيرا، حتى في التفاعل مع المبادرات العدوانية الصريحة، وحاولنا، من فرط الملل، الخروج من الملل! وإعطاء معنى للجنون، وللمضاربة الباطولوجية إزاءنا!
قلنا، في حالات عديدة، إنه بالرغم من تفكك الدولة، فذلك لا يعني بالضرورة أن السياسة غير موجودة… وسعينا إلى أن نجد ثوابت في عقيدة الدولة، فلم نجد سوى «النحن» في زنازين من العقد! في مرآة الانعكاس المشوشة في عقل السياسة التي يقودها جيراننا ..
مرات عديدة قلنا مع الأديب الكوبي الثائر إدواردو مانيت، إن المبالغة تولد الشعور بالرتابة، والروتين المقرف..
وكثيرا ما تولد الملل العميق المشفوع بكثير من القرف، بفعل ما تابعنا من مبالغة…
في الأخير سنجد أن المبالغة، واللامعنى والعبث، مداخل غير كافية لمحاولة فهم الدولة الشقيقة شرقا، بعد أن زادت في الغي، وذهبت أبعد من استهداف المغرب، في ظروف معنية مهما كانت، بحيث أصبحت لا تتورع عن توظيف أي منبر سياسي، وأية قضية نبيلة للعدوان:
في رسالته الجوابية إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن على التصريح الأهوج للأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية حول قضية الصحراء المغربية خلال اجتماع مجلس الأمن، شرح الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة ، عمر هلال، عقدة الكراهية للمغرب والهوس المرضي بالصحراء المغربية.
والحق أن الإنسان يجب أن يكون أكثر من مريض لكي يحاول تحويل المناقشة التي تمت في مجلس الأمن حول: «حفظ السلم والأمن الدوليين: رفع الظلم التاريخي وتعزيز التمثيلية الفعلية لإفريقيا في مجلس الأمن»، لمناقشة موضوع مرضه!
يجب أن يكون منحطا أخلاقيا لكي يسعى إلى تغيير قضية تهم قارة، يسكنها مليار ونصف مليار نسمة، للحديث عن مجموعة من المنبوذين فوق التراب الجزائري، وأن يكون فاقدا لأي معيار أخلاقي ليفرض «قضية» دولة وهمية على 54 دولة هي مستقبل البشرية…
وأن يحاول أن يضع ملفا اسمه قضية الصحراء المغربية أمام ظلم تاريخي ما زال مستمرا عنوانه حرمان إفريقيا من الجلوس في موقع القرار الأممي داخل مجلس الأمن… باسم دولة وهمية!
في رسالة السيد عمر ما يكفي من عناصر تفكيك خطاب الدوغمائية الماضوية، لكن أيضا من حسن الحظ أنه وضع مدخلا له محاولة توظيف قضية إفريقيا النبيلة لأجل هوس ذاتي لنظام الحكم، الذي يسعى إلى بناء شرعية في السراب.
أولا، ليست المرة الأولى التي تحاول الجزائر، من أعلى منبر جماعي، التوظيف الرديء واللامجدي لقضية نبيلة، فقد فعلت ذلك عربيا، باسم فلسطين، عندما احتضنت القمة اليتيمة والمخجلة فوق ترابها، وسعت إلى استبعاد العرب في قضية يعرفونها جيدا، فجاءها الرد من إجماع عربي جعلها وحيدة في رقعة جغرافية وسكانية شاسعة…
وحاولت ذلك داخل المجمع الأممي، باسم القدس، فصنفت نفسها في خانة من تعارض بيانا لفائدة المدينة المحاصرة بسبب هوس مرضي تلقاء المغرب…
ووجدت نفسها وحيدة في مرات عديدة وسط إفريقيا عندما جعلت من حضور دميتها أولوية في علاقات القارة مع الصين واليابان وروسيا والولايات المتحدة، فراكمت الفشل تلو الآخر..
لكن الجزائر تريد انتحارا طويلا!
فهي أقامت على نفسها الدليل بأن مرضها أكثر حيوية من صواب البشرية كلها!
حتى وإن تسبب ذلك في ضرب مصالح الشعب الجزائري الشقيق، فهي لا تجد لنفسها علاجا سوى بالصراخ المهووس بالمغرب …
في المحاولة الجديدة: أكاد أجزم، بأن الذي يحركها، لما تبين لها بأن الأمر يهم تمثيلية القارة في مجلس الأمن بمقعد دائم مع الخمسة الكبار، هو أن المغرب تراءى لها وهو جالس في المقعد المتوخى، ولم تتحمل مجرد أن تتصور ذلك، هي التي تطمع أن تكون «أرنب سباق « لدولة جنوب إفريقيا، ولعل عمر هلال كان قد حرك غيِّها في كلمته، على هامش فعاليات المؤتمر الدولي»الحوارات الأطلسية» التي انعقدت بمراكش في دجنبر 2023، بشأن إصلاح التركيبة الحالية لمجلس الأمن وتمثيلية إفريقيا في هذه الهيئة الأممية، وأجج الوسواس، بدون شعور منه، عندما عبر بالقول إن المغرب مؤهل للتطلع للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن!
ولعل مما يزيد من الهوس، كون المغرب صار يحظى بالتعامل معه كقوة إقليمية، لا محيد عنها، وكان اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه تكريسا لذلك، وإقرارا به، واعترافا من الدولة العضو في المجلس الأممي بأحقيته بهذا الدور..
كل هذا زاد من وسواس الحقد اللامشروط لدى نخبة العجز الاستراتيجي في الشرق…