الأخبارركن الميداوي

جرعة إيمانية قوية لتخليص الجالية المغربية من صقيع الغربة الرمضانية بفرنسا

الخط :
إستمع للمقال

يجد المسلمون بفرنسا في رمضان مناسبة فريدة للتزود بجرعة إيمانية قوية، تساعدهم على تأصيل هويتهم الإسلامية التي هي آخر ما تبقى لديهم، بعد أن ضاع جزء من الهوية اللغوية والثقافية وحتى الاجتماعية. وعلى الرغم من صعوبة الصوم في بلد الاغتراب، حيث تغيب عن الأسماع تكبيرات المآذن، وأصوات مدفع الإفطار، وصولات النفّار إلى حين مطلع الفجر، لكون البلد المضيف له قوانينه ومحظوراته، فإن أجواء التقوى والإيمان الرمضانية حاضرة بكل أبعادها الروحية، لتقوي لدى أبناء الجالية الإسلامية الشعور بالانتماء، ولتخلصهم من صقيع الحياة الفرنسية المثقلة بمشاعر الغربة وواقع التهميش.

وأنت تتجول في منطقة (جوسيو) الباريسية، وهي من أهم المناطق العلمية والثقافية، حيث بها جامعة السوربون ومعهد العالم العربي، والمكتبات العربية، ومسجد باريس الكبير بطرازه المعماري المغربي والإسلامي، يسرقك الخيال عند التأمل فيها إلى مدن علمية إسلامية، مثل فاس والقاهرة ودمشق..

وتحتضن باريس وحدها أزيد من عشرة مراكز إسلامية كبرى، وأكثر من 400 مسجد ومكان عبادة، من بينهم مسجد إيفري (مسجد مغربي) الذي يعد أكبر مكان للعبادة بأوروبا، وأهم مرجع ديني للجاليات الإسلامية. ويتميز بجمال عمارته ومرافقه التي تحتوي على مركز ثقافي ومكتبة إسلامية، وقاعات للدروس الدينية والمحاضرات، إضافة لمدرسة من 22 قسما لتعليم الأطفال اللغة العربية، وأخرى لتدريس التربية الإسلامية، وملحقات إدارية وثقافية أخرى، ومقهى صغير تقدم فيه الحلويات المغربية والشاي بالنعناع.

وفي ساحة المسجد الذي كان للمملكة العربية السعودية فضل كبير في تمويل بنائه، قبل أن يتكفل به المغرب بشكل كامل، ترميما وصيانة، تجتمع كل الألوان والأجناس، المسلم العربي إلى جانب الإفريقي، والتُّركي والهندي والصيني والفرنسي، لتأدية الصلاة جماعة مع آذان المغرب، يوحدهم الإسلام ويجمعهم شهر رمضان في الصلاة والعبادة. وفور الآذان يوزع العاملون في المسجد كؤوس الحليب مع حبات التمر على المصلين، كما هي عادة المساجد المغربية.

وتتنوع أنشطة المسجد بين ندوات إسلامية ودروس دينية يلقيها نخبة من المفكرين والعلماء العرب والمسلمين القادمين من مختلف الأقطار، وفي مقدمتها المغرب.
وإلى جانب “مسجد باريس” ومسجد “إيفري” تحضن باريس مساجد كبيرة أخرى، أهمها مسجد “الدعوة”، ومسجد “أرجنتين”، ومسجد “مونت لاجولي”، وهي موزعة بين قلب المدينة وضواحيها. ويقارب عدد المساجد بفرنسا الألفين ما بين مساجد وقاعات للصلاة وأمكنة أخرى للعبادة، يتواجد البعض منها في أقبية العمارات، ولا تتوفر فيها الشروط الضرورية والصحية لدور العبادة. ويترقب المسلمون وعود الرئيس ماكرون في الحملة الانتخابية الأخيرة، ببناء المزيد من المساجد، بغاية توفير شروط العبادة اللائقة، وإخراج المساجد مما أسماها ب”المستودعات” غير اللائقة بثاني ديانة بفرنسا.

ولا غرابة أن تكون فرنسا دولة استثنائية في القارة الأوروبية تجاه الإسلام والمسلمين نظرا للإرث التاريخي مع الدول العربية والإفريقية التي تحرص فرنسا بقوة على الحفاظ عليه وحمايته من الأطماع الصينية والأمريكية بالمنطقة. ويدرك الفرنسيون تمام الإدراك مكانة رمضان في نفوس المسلمين، فتجدهم يقدمون التهاني بحلول الشهر للجيران ولزملائهم المسلمين، كما يبدي الكثير منهم إعجابه بقدرة المسلمين على التحمل لمدة 15 ساعة متتالية من دون أكل أو شرب.
ويتخذ شهر رمضان مظهره التقليدي من خلال السلع العربية والشرقية التي تملأ واجهة المحلات العربية بالخبز الرمضاني والحلويات المغاربية والشرقية وأنواع أخرى من السلع كل حسب بلده. فتجد بواجهات المتاجر وحتى على الرصيف، ألوانا مختلفة من السلع والمنتجات، بدءا من التمور السعودية والمغاربية إلى الحلويات بأشكالها المختلفة، مرورا بأنواع عديدة من الفطائر والعجائن والأجبان وغير ذلك من الوجبات التي ستجد المعدة بعد الآذان متاعب كبيرة لهضمها واستيعابها.

وتتزاحم المتاجر الفرنسية الكبيرة مثل “ليدل” و”كارفور” وغيرهما لتعرض المنتجات التي تناسب المسلمين من خلال قسم خاص في أروقة السوق وقد اختارت لتسويقها كلمة “حلال” مختومة من قبل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهو أعلى هيئة إسلامية بفرنسا، أوقف الرئيس الفرنسي نشاطها في السنة الماضية، في قرار خلّف تدمرا واسعا في أوساط الجالية الإسلامية. وأوحى شهر الصيام لسلسلة مطاعم الوجبات السريعة الامريكية /ماكدونالد/ بتقديم وجبات مسائية خاصة ووضعت لافتات باللغة العربية والفرنسية تقول للزبناء “رمضان كريم”.
ويجذر التذكير في هذا السياق، بأن المحلات والأسواق الرمضانية تحولت مع تزايد الحاجيات الاستهلاكية للجيلين الثاني والثالث من المسلمين الذين ولدوا في فرنسا ويفخرون بجذورهم وهويتهم الدينية، إلى تجارة جد مربحة يقدر حجمها بحوالي ثلاث مليارات أورو، وهي تنمو بنسبة تزيد عن 10 بالمئة سنويا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى