تمكنت المرأة من الولوج إلى عدد من المهن التي ظلت لعقود حكرا على الرجال، لكن يبدو أن المهن المتصلة بالقيادة في جميع المجالات عزيزة جدا على الرجال ولا تصل لها النساء إلا بشق الأنفس.
مهنة قيادة الطائرات مثلا من المهن التي ظلت لعقود حكرا على الرجال خاصة في الدول العربية والتي وإن تمكنت المرأة في بعض الدول منها من الوصول لها فإن حضورها ما يزال ضعيفا مقارنة بالرجال رغم أن نساء عربيات كثيرات حققن نجاحا في امتهانها.
وصلت المرأة في الدول الغربية إلى مهنة قيادة الطائرة قبل المرأة العربية بسنوات وكانت الأمريكية إيميليا ماري إيهارت أول امرأة تقود طائرة منفردة في العالم في العشرينات من القرن الماضي . وقد كانت رائدة متفوقة في الطيران الأمريكي ومثلت أول امرأة تحصل على صليب الطيران الفخري، نظرا لكونها أول امرأة تطير بمفردها عبر المحيط الأطلسي.
أما النساء العربيات فقد دخلن مهن الطيران كمضيفات أو موظفات في المطارات وفي شركات الطيران عموما ، لكن وصولهن لقيادة الطائرة تأخر بعض الشيء، وتعد لطفية النادي أول امرأة عربية وأفريقية تقود طائرة بمفردها وهي مصرية الجنسية وذلك في سنوات الثلاثينات من القرن الماضي، كما كانت أول مصرية تنال إجازة في الطيران عام 1933، وهي الشهادة التي سبقها إليها في مصر 33 شخصا كلهم من الرجال.
وبعدها بسنوات بدأت بعض الأسماء النسائية تظهر كقائدات للطائرات مثل المغربية ثريا الشاوي في الخمسينات وتلتها التونسية علياء المنشاري . وهكذا وإلى حدود السنتين الأخيرتين مازال يتردد لقب أول امرأة تقود طائرة في دولة عربية ما ، وكانت آخرهن عام 2015 عندما أعلنت وزارة النقل العراقية أن “داليا امرأة عراقية حصلت على النجاح بعد إكمالها الفصول التدريسية المؤهلة لكي تكون أول امرأة عراقية تقود طائرة مدنية والذي جعلها محط ترحاب وقبول لدى الخطوط الجوية العراقية”.
وكذلك المرأة الكويتية عندما أصبحت منيرة بوعكري عام 2014 أول مواطنة كويتية تدخل مجال قيادة الطائرات بصفة مساعد كابتن.
وبعد هذه التجارب لم يعد مستغربا وجود كابتن أو قائد طائرة أو مساعد كابتن امرأة عربية إلا أن أعدادهن مازالت قليلة جدا مقارنة بالرجال خاصة في ميدان الطيران الحربي ولأسباب عديدة أهمها الموروث الثقافي العربي الذكوري بامتياز والذي يأبى على المرأة أن تحتل المناصب القيادية .ولا تزال أمام النساء العربيات رحلة طويلة من النضال لافتكاك هذه المواقع رغم ما حققنه من نجاحات في التعليم وفي عدد من المهن المتعارف عليها كونها رجالية.
ورغم أن أعداد قائدات الطائرات العربيات مازالت ضئيلة إلا أن من تمكنّ منهن من دخول هذه المهنة يقدم مثالا يحتذى به للأجيال القادمة من الفتيات في قدرة وكفاءة المرأة على النجاح في مجال الطيران.
ومن لا يعرف ثريا الشاوي، فهي ولدت وسط عائلة فاسية، بحومة القلقليين القديمة بمدينة فاس، وكانت تميل للألعاب الميكانيكية وتحب تفكيكها بعيدا عن ألعاب الأطفال العادية.
وكان والدها عبد الواحد الشاوي رائدا في مجال المسرح المغربي، وكانت له مشاركة مع المخرج الفرنسي أندريه زوبادا عندما قرر هذا الاخير إخراج فيلم في فاس 1948، حيث لعب والدها دورا مع جورج مارشال و ماريا كاساريس.
كان لثريا الشاوي أيضا دورا في هذا الفيلم، وكان عمرها ثلاثة عشر عاما.
في صغرها مرضت بمرض صدري، فنصح الطبيب والدها بفاس أن يأخذ ابنته إلى مطار المدينة ويتوسط عند أحدهم ليقوم بجولة بالطفلة في الأعالي، فهو شفاء لحالتها. قبل الأب المغامرة وبحث عمن يساعده على تحقيق وصفة الطيران الشافية لابنته ثريا، فتحقق لها ذلك واستطاعت التجول في السماء.
هذه التجربة جعلتها تضع مجال الطيران هدفا رئيسيا لها في الصغر، واستطاعت ولوج تعلم الطيران بمدرسة تيط مليل بالدار البيضاء، التي انتقلت إليها كل العائلة.
وكانت ثريا لا تزال في 16 من عمرها حين ولجت تلك المدرسة، وكان من الصعب وضع فتاة مغربية وحيدة وسط مدرسة محفوظة للنخبة الفرنسية بالإضافة إلى الإسبان والإيطاليين .
وكانت تنالها نظرات محقرة عنصرية، لكنها كانت تحت حماية ورعاية أستاذها الإسباني. فيما كانت الأم والأب يقتطعان من ميزانية البيت لتوفير تكاليف الدراسة المكلفة وكذا توفير ثمن التنقل إلى المدرسة التي كانت حينها في أطراف المدينة، في منطقة خلاء. وحين جاء يوم الإمتحان صادفها يوم غير مناسب للطيران بسبب سوء الاحوال الجوية، لكنها استطاعت التغلب والسيطرة على الطائرة، ونالت احترام مؤطريها. فنجحت في امتحان الكفاءة لقيادة الطائرات بُعَيد حصولها على شهادة الطيران سنة 1951.
وكان أول ما فعلته قيادة طائرة من نوع «بيبر» وقطعت المسافة بين الرباط والدارالبيضاء. وعادت أدراجها إلى مطار تيط مليل، حيث أقام لها نادي الجو حفلا تقديريا لفوزها. وذكرت الصحف العالمية هذا الحدث. وتلقت ثريا تهاني من العديد من المنظمات النسائية، كما تلقت صورة موقعة من الطيارة الفرنسية جاكلين أوريول، واستقبلها الملك محمد الخامس بالقصر لتهنئتها وبرفقته الأميرتان للا عائشة وللا مليكة.