أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي آخر تقاريره، المندرجة ضمن سلسلة المساواة بين النساء والرجال، والمتعلق بالجانب الاجتماعي، بعد تقريرين تطرقا للمساواة بين الجنسين على الصعيد المؤسساتي والاقتصادي.
وجاء في التقرير أن معظم النساء المغربيات لا يؤمن بجدوى متابعة المتحرشين بهن جنسيا، أو الأشخاص الذين مارسوا في حقهن اعتداءً أو تعنيفا.
وبرر التقرير ذلك بالقول: “لا تزال النساء تواجهْن صعوبات في الولوج إلى مساطر قضائيّة موثوق فيها من أجل وضْعِ حدٍّ لأعمالِ وحالات التحرش أو الحصول على التعويض. وغالبًا ما تعتبر النّساء أنه لا جدوى، بل من الخطورة طلب الحُصول على مُساعدة ممثّلي السلطات ضدّ حالات التحرّش”.
ويحظر القانون، التحرّشَ الجنسيّ داخل أماكن العمل، حيثُ يعتبرُ المتحرٍّش هو كلّ من استعمل ضدّ الغيْر أوامِرَ أو تهْديدات أو وسائل للإكراه أو أيّة وسيلة أخرى، مستغلا السلطة التي تخوّلها له مهامّه لِ”أغراض ذات طبيعة جنْسية”. كَمَا أنّ مدوَّنَة الشّغل تُحدّد هذا السلوك باعتبارهِ خطأً جسيمًا يمكن أنْ يؤدّيَ إلى الفصل، ويعاقِب عليْه القانون الجنائيّ (الفصل503-1 ) بالسّجن من سنة إلى سنتين وغرامة منْ 5000 إلى 50.000 درهم.
ويقول التقرير في هذا الصدد “القانون لا يشير إلى الحالات التي يحدث فيها التحرّش خارج مكان العمل وتلك التي لا تكون لمرتكبها سلطة تراتبيةّ على ضحيته. أمّا باقي أشكال التحرّش الأخرى التي لا تكتسي طابَعًا جنسيّا صريحًا، كما هو الشأن بالنسبة للسّلوكات المتعلّقة بخلْقِ ظروف أو بيئة عمل مُهينة أو معادية للنساء، فإنّ القانونَ لمْ ينصّ عليها لحدّ الآن”.
وبخصوص حالات التعرض للعنف الجسدي أو المعنوي يشير التقرير إلى أنه “ينبغي الإشارة بأسف إلى استمرار النّظرة النمطية للعنف المنزلي باعتباره قَدَرًا. ويبْدو أنّ هناك أزمة ثقة تجاه النظام القضائيّ بخصوص هذا الموضوع بحيث ترسَّخَ في أذْهَان النّاسِ أنّه صار عديم الجدوى والفائدة في مواجَهَة هذه الظّاهرة…وبصفة عامّة، ونظرًا للواقعِ الحالي الذي توجد عليْه القوانين وقانون المسطرة الجنائية، ونظرًا لانتشار التمثّلات والصّور النّمطية، فإنه يصْعُبُ على النّساء الاستفادة منْ آليات التحقيق القَضَائي وإنْزَال العقاب في حالة تعرّضهنّ للعنْف الأُسرِيّ، باستثناء دعْم الأسر التي تتوفّر على الوَسَائل المادية والوساطات.”
كما أشار التقرير إلى خطورة التعامل السلبي مع العنف الأسري في بلادنا، حيث جاء في التقرير ” إنّ العنف الذي يُمارسه الزّوْج في الأماكن العموميّة وأمامَ الشُّهُود لا يُعاقَب صاحبُه بالضرورة. إنّ العديد من الحواجز تحُولُ دونَ متابعة ومعاقبة مُرتكبي العنْف ضدّ النّساء كما أكّدت ذلك عدة منظّمات غيْر حكومية: ينبغي أنْ تُصابَ الضحية بإصابات تتسبّب في عجْز مؤقّت عن العمل يتجاوز في المجموعِ 21 يومًا. كما ينْبغي أنْ تثبِتَ الآثار الجسديّة للعنف عوض إثباتِ فعل العنف فقط، أمّا رجال الشرطة فليْس من حقّهم التدخل ما دامَ ليْس هناك أيّ تهديد وشيك بالموت”.
وتُشير الأرْقام التي نشرتْها المندوبية السّامية للتخطيط في سنة 2011 إلى أنَّ 62.8 في المائة من النساء اللواتي تتراوح أعمارهنّ ما بين18 و64 كُنَّ ضحايا عُنْف خلال السنة السابقة وأنّ ما يَرْبو على نصْف هذه الأعمال (55 في المائة) ارتكبها أزواج الضّحايا. كما أشارتْ دراسة صدرت في نفس السّنة إلى عنف الزّوج يصل إلى8 حالات منْ بيْنِ 10.
ووصف التقرير المبادرات القانونية الحالية ب “غير الكافية”.
كما حذر التقرير من أن الفراغ القانوني الذي يطغى على هذا الملف الشائك، قد يتسبب بعواقب اجتماعية خطيرة، حيث “تُوَاجِهُ النّساء ضحايا العنْف شروطًا مسْطريّة تؤدّي في غالب الأحيانِ، إلى حِرْمانهنّ من الاعتراف القانونيّ بأوضاعِهِنَّ ولا يمْلِكنَ حقّ متابعة الغير، بِمَا يضْمنُ لهنَّ الوُلُوج إلى آلياتٍ محدّدة بدقّة تتعلّق بالمُساعدة الطبّية أو المادية والحماية الاجتماعية والمساعدة القانونية والدّعم السّيكولوجيّ”.
ويشكّلُ انْعدام وجود وضْعيةٍ قانونية واضِحَة لبعض مراكز اسْتقبال النساء ضحايا العنف، عائقا أمام حماية الضّحايا في شروطٍ لائقة وكريمة.
جدير بالذكر، أن تقرير المجلس الذي يرأسه نزار بركة وزير المالية السابق، تطرق لنقاط متعددة أخرى من بينها ساعات العمل بين الجنسين، وولوج قطاعي التعليم والصحة، وزواج القاصرات والحماية القانونية للنساء ونقاط عديدة أخرى مهمة.