هناك مشروع رقمجي اليوم مهما تغافلنا عنه أو تجاهلناه أو تعففنا من الحديث عنه أو تأففنا من ممارساته النشاز، فهو يمارس بشكل أو بآخر، شكلا من أشكال السلطوية على الدولة المغربية ومؤسساتها الرسمية، كما يريد أن يحتكر المشهد الرقمي بالترويج لصوت وحيد وأوحد وهو صوت النشاز الذي يقدم نفسه اليوم وصيا على خوتي المغاربة.
إذ كيف يعقل أن يتم التفاعل مع مداخلة علمية لأكاديمي مغربي متمرس في التحليل النقدي للخطاب، والذي كان ضيفا صبيحة يوم أمس بندوة منظمة من طرف بيت الحكمة بالدار البيضاء حول موضوع: التشهير والابتزاز واستقلالية القضاء، تسلح فيها ذات الأكاديمي بآليات الإنتاج لخطاب مفاهيمي غير مسبوق، وفي محاولة للتسفيه والنيل من العرض والشرف ونبز بالألقاب دون أن يمتد النقاش ولو إلى فكرة واحدة انبرى بعض هؤلاء الشرذمة الرقمجية لكل تلك الأساليب البائدة بدل النقاش والمحاججة.
ما هي الرسالة التي سنسمح بمرورها إلى المجتمع عامة والأكاديميين خاصة إذا لم يؤخذ هذا السلوك النشاز على محمل الجد؟.
هل نقول لنخبة المجتمع: ارجعوا إلى الوراء واقبعوا في أبراجكم العاجية بعيدا عن الاعتمال في شؤون الوطن؟ فقط حاضروا في المدرجات وصححوا أوراق الامتحانات واكتفوا بالإشراف على الرسائل والأطاريح والبحوث؟.
ما معنى أن تتآزر المؤشرات كلها لكي تكشف عن تنظيم رقمي يوزع الأدوار في استهداف كل رأي مخالف، علما أن صاحبه ناقش الظاهرة وخطورتها على المجتمع ولم يشر ولو للحظة واحدة إلى شخص من الشرذمة بعينه.
هل أصبحت الشرذمة الرقمجية بديلا عن المعارضة المؤسساتية التي تقوم بدورها في المجالس المنتخبة؟ وهل يكفي استدرار العواطف وجلب اللايكات لاستدراج كم هائل من المتابعين العاشقين للإثارة، وصناعة رأي عام تم استغفاله وتزوير الحقائق أمام عينيه.
هل هذا هو النموذج المعارضاتي الجديد؟ هل نحن أمام تنظيمات رقمجية جديدة كشكل جديد من الأشكال السياسيوية الضيقة؟.
لا يمكن أن يمر كل رموز الوطن من الاعتقالات والمنافي حتى ننعم اليوم بمناخ ديمقراطي يسمح للمولعين بتدنيس أعراض الناس بأن يمدوا أرجلهم وينعثون المخالفين لهم بالمثلية وبالعهر، لا لشيء إلا لأننا قادرون وقادرات على فضح توجهاتهم الرقمية المكشوفة ضد الوطن ومؤسساته؟.
هل صمت المثقفين اليوم وصومهم عن أداء أدوارهم في الفضح والتصدي هو اعتراف ضمني بعلو كعب هذه الشرذمة من الرقمجيين، أم أننا أمام صحوة حقيقية للباحثين والمهتمين بالشأن الوطني أن يحموا وطنهم من شرذمة رقمجية تجيد رسم خطوط الفتنة وتصادر أي صوت قد يدفع في اتجاه الوضوح الذي تتطلبه المرحلة.. ففي الوطن إما أن نكون معه أو لا نكون، ولا منطقة وسطى فاصلة بين الوطن والمواطن، وأن السماح بهذا الواقع الجديد والخطير فيه تقويض لدولة الحق والقانون والمواطن وتهريب للنقاش من خارج المؤسسات ليس إلا.