مازالت دموع وزير العدل السابق في حكومة بنكيران، مصطفى الرميد، أثناء تسليمه السلط لخلفه محمد أوجار في وزارة عدل حكومة العثماني، محط جدل بين المحللين، بين من اعتبرها دموع حسرة وألم على فقدان محام المنصب القضائي الأسمى في هرم السلطة بالبلاد، وبين من فسرها بتوجس الرجل من مستقبل منصبه الجديد كوزير للدولة مكلف بحقوق الإنسان.
منصب وزير الدولة الذي كلف به قيادي المصباح مصطفى الرميد، مضافا له ولأول مرة في تاريخ حكومات المغرب التكليف بملف حقوق الإنسان، بكل ما يحمله من تعقيدات على المستوى الوطني والدولي، رأى فيه المحامي سعد السهلي، بأنه “محاولة سياسية لمحاصرة حزب المصباح، وحشرا لشخص من طينة الرميد ذو التجربة في مجالي القضاء وحقوق الإنسان، في ملفات الأصل فيها التنافر مع مرجعية العدالة والتنمية، وهو ما قد يجعل الرميد أمام تحديات وإكراهات خلال ولايته القادمة، ستراوحه ما بين الاستسلام لها والسير في سياقها، وما بين اعتزالها وإعلان عجزه عن تدبيرها، ليخلص لتقديم استقالته منها”.
مصطفى الرميد والذي قاد رفقة العثماني حتى آخر جولة، المفاوضات الحكومية البديلة التي أفرزت تشكيلة حكومية من 6 أحزاب، ما زالت مثار جدل حتى داخل حزب المصباح، يعرف اليوم أن الامتيازات التي يوفرها له منصب وزير الدولة في إطار ما هو قانوني، والتي يميزها بالإضافة للجانب المادي، على سبيل المثال جواز السفر الديبلوماسي مدى الحياة، الذي يمنح لوزير الدولة وحرمه، بالإضافة لمركزه الحكومي الذي يعد المنصب الثاني في الحكومة مباشرة بعد رئيس الحكومة، لن تقف في موازاة التحديات الكبرى التي ستواجهه في ملفات حقوق الإنسان.
فملفات حقوق الإنسان، الملحقة بوزارته، التي لا تتوفر لا على حقيبة وزارية، ولا على مقر وزاري، باستثناء المكتب المخصص لشخصه في مقر رئاسة الحكومة، علما أن التكليف بملفات حقوق الانسان يستوجب وجود مقرات مؤسسية ومعدات. ولعل الأخبار المنقولة مؤخرا والتي أفادت بأن هيئات حقوقية رفضت أن يتم استقبالها من طرف الرميد في مقر رئاسة الحكومة، ومحاولته الاستعانة بمقرات وزارة العدل، لاستقبالها استثنائيا هناك، للتمكن من تضمين مطالبها في البرنامج الحكومي المقبل، أكبر دليل على صعوبة مهمة الرميد.
الإكراهات والتحديات التي ستواجه الرميد في مهمته، كثيرة ومتعددة، يتجلى أهمها حسب سعد السهلي أيضا، في كون “الرميد لم يتسلم أبدا وإلى اليوم سلطة تختص بحقوق الإنسان، رغم أنه سلم سلطة وزارة العدل التي كانت بحوزته خلال حكومة بنكيران لخلفه محمد أوجار، وهو ما يجعل التساؤل قائما حول السلطة التي سيمارسها الرميد على عدد من الهيئات الحقوقية التي أسست بنص دستور 2011”.
الرجوع إلى نص الدستور الأخير، يؤكد أنه أفرد فصوله الممتدة من الفصل 161 إلى الفصل170 لإحداث أو دسترة كل من “الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز” و”المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي” و”المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة” و”المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي”، ثم “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” و”مؤسسة الوسيط” و”مجلس الجالية المغربية بالخارج” و”الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري” و”مجلس المنافسة” و”الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”. وهي المؤسسات العشر التي تعنى كلها من قريب أو من بعيد بقضايا حقوق الإنسان إجمالا.
إشكالية تسلم الرميد للسلطة على كل هذه المؤسسات المنشأة بنص الدستور، ورغم أنه لم يتم ولو على مؤسسة واحدة منذ تنصيب الحكومة الحالية، أجاب عنه السهلي المختص كذلك في القانون الدستوري والإداري بأن قراره اليوم “بيد رئيس الحكومة الحالي في إطار اختصاصاته التي يمنحها له الدستور، بحيث سيكون مطالبا إن هو أراد حل إشكالية افتقاد الرميد للسلطة على مؤسسات الدولة المختصة بحقوق الإنسان، إصدار مرسوم يحدد ذلك، خصوصا وأن جميع الهيئات الإدارية للدولة أصبحت تخضع للسلطة التنظيمية التي أصبحت بيد الوزير الأول منذ دستور 1992”.
التحدي الآخر والذي سيواجه مصطفى الرميد بصفته وزيرا للدولة ومكلفا بحقوق الإنسان، والذي سيضعه أمام الأمر الواقع، متعلق أيضا بحسب السهلي “بمواجهة ملفات حقوق الانسان على المستوى العالمي، ناهيك عن المواجهة المباشر في الداخل المغربي مع خطابات التيارات العلمانية، وضرورة التعايش معها رغم تعارضها مع المرجعية الإسلامية لحزبه العدالة والتنمية”.
ويوضح السهلي قائلا: “على الرميد الاختيار اليوم ما بين الانسحاب، أو الانخراط المباشر في مواجهة قضايا شائكة من قبيل الحرية الجنسية وحقوق المثليين والأقليات الدينية، وتعدد الزيجات(الرميد متزوج من امرأتين)، الخيانة الزوجية، ومسألة العري وارتباطها بالآداب العامة، دون نسيان قضية المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة والتي أثارها محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، من جديد بدفاعه عن توصية المجلس القاضية بإعمال المساواة في الإرث بين الرجال والنساء، يومين فقط على تعيين الملك لحكومة العثماني في 5 أبريل 2017”.
وحول ما إذا كان تعيين الرميد في منصب وزير الدولة وفي مقارنة بمنصبه القديم كوزير للعدل، وهل هذا التغيير، يعتبر ترقية في مناصب الحكومة أو تخفيضا فيها، يجيب السهلي قائلا: “رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية والذي نصب قبيل تنصيب الحكومة الجديدة، ورث تقريبا كل اختصاصات وزير العدل، وهذا الأخير صار دوره بمثابة مقرر إداري في قطاع العدل”.
وأضاف “ممثل الملك اليوم في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، انتقلت وبنص الدستور، من وزير العدل الذي كان يمثل الملك في المجلس الأعلى السابق، إلى رئيس محكمة النقض، كما أن قرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أصبحت قابلة للطعن أمام محكمة النقض ذاتها، كما ينص ذلك الفصل 144 من الدستور الذي يقول بأن، المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية، الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية (تكون) قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة، أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة”.