الأخبارركن الميداوي

تأصل الفكر العنصري بفرنسا.. أم مغربية مُرغمة على تذويب اسم ابنها إرضاء لسوق الشغل

الخط :
إستمع للمقال

لم تجد كنزة الحسّاني، مغربية من أصول وزّانية، من حيلة أمام تأصل الفكر العنصري لدى شريحة واسعة من أرباب الشغل، سوى التقدم بطلب للقضاء الفرنسي من أجل استبدال اسم ابنها إبراهيم (11 سنة)، وابنتها فاطمة (تسع سنوات)، بأسماء فرنسية قد تساعدهما مستقبلا على تقوية فرص الاندماج في النسيج الفرنسي، وإن كان شديد الاختلاف عن النشأة الاجتماعية المغربية، وتمكنهما بالتالي من لوج سوق الشغل بسهولة أكثر، وبأقل الخسائر النفسية والاجتماعية.

“لا أقوى على تقبّل هذا الواقع الأليم المتمثل في تهميش وحتى إقصاء “الاسم العربي” من سجل التوظيفات في المؤسسات الخاصة وحتى العمومية. ولا يمكنني أن أرضى بابنتي مجرد عاملة تنظيف مثلي، وابني عامل بسيط بأحد المصانع، لأن اسمه “العربي” قضى على كل طموحاته”، تقول كنزة قبل أن توضح لإذاعة أوربا 1 أن ليس وراء خطوتها أية دوافع دينية أو سياسية.

ولتسهيل عملية “تذويبهم” عن مضض في النسيج الفرنسي، اختارت كنزة اسمين جديدين لطفليها بتشاور معهما: جوليان بدل إبراهيم، ونادين عوض فاطمة. وبهذه الخطوة، لم تتباطأ الأم المغربية المقيمة بمرسيليا في الرد على زعيمة “الجبهة الوطنية” (اليمين المتطرف) مارين لوبن، التي وجهت نداء قبل شهر، للجالية العربية على القناة الفرنسية الثانية، تحُثها على استبدال الأسماء العربية للأبناء بأسماء فرنسية، حتى يتمكنوا من ولوج سوق العمل بسهولة.

ومثل هذا النداء يفضح بقوة، مخططات التذويب التي ترسمها بعض الدوائر العنصرية الوازنة، لإرغام المهاجر على حمل ثقافة البلد المحتضن ولو جزئيا، وعزله وتمييزه تدريجيا، كي يحتضر شيئا فشيئا في إطار ما يمكن تسميته بالعنصرية الهادئة أو المُقنّعة. ومن الطبيعي أن تنتج عن ذلك ردود فعل هوياتية قد تصل أحيانا إلى حد العنف والتصادم.
وتحيلنا حالة الأم كنزة على حادث إقصاء المهندس عبد الجليل جريوط قبل سنة، في مباراة الالتحاق بالشركة الفرنسية للسكك الحديدية، بعد عاصفة من الأسئلة العنصرية انتهت الإجابة عنها بحصوله على نقطة 4/20 في الامتحان الشفوي.
هل تصوم رمضان؟ هل تحمل زوجتك الحجاب؟ هل تذهب بانتظام إلى المسجد؟ أسئلة فاضحة لتأصل الفكر العنصري في بعض شرائح المجتمع الفرنسي، تحت أكذوبة التطرف الديني. فلا أحد من زملائه سُئل عن أصوله المسيحية أو اليهودية، وعما إذا كان يحتفل بالبابا نويل وبأعياد السنة الميلادية.. لا أحد منهم دُعي لإبداء رأيه في حملات التنصير المكثفة في إفريقيا والعالم العربي، وفي النظام التراتبي العنصري الذي يضع حدا فاصلا بين نمطين من البشر: واحد مُنحط ووضيع لا قيمة لوجوده، والآخر متفوِق وسامي، يعود إليه الفضل في ولادة التاريخ وقيام الحضارة.
ومن هنا فإن تخوفات كنزة من الإقصاء التلقائي لطفليها من سجل التوظيف، تجد مبرراتها في تقارير وأبحاث اجتماعية عديدة، كان آخرها تقرير عالم الاجتماع، عزوز بكاك، الوزير السابق لتكافؤ الفرص، الذي أدان الأسئلة “الملغومة”، المرتبطة بالانتماء العرقي والجنسي التي تطرح على أبناء الهجرة، الراغبين في اجتياز امتحانات مختلفة. واعتمد في تقريره على عدة دراسات اجتماعية معمقة أنجزت في الموضوع، وأثبتت وجود ممارسات تمييزية صارخة في حالات توظيف أبناء الهجرة.
كما تجد تخوفات الأم المغربية مبرراتها في التقرير السنوي الأخير للجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، والقائل إن الإسلام يبقى “خطرا على هوية فرنسا” بالنسبة لـ51 بالمائة من الفرنسيين.
وما يصدم المغاربة في الواقع الاغترابي أن كلمة “عربي” في ثقافة عامة الفرنسيين، وحتى لدى بعض الفئات المحسوبة على النخب المثقفة، تعني “إسلامي” ثم “إرهابي” ثم “متزمّت”، بمعنى أن العرب يختزلون ثلاث صفات في واحدة: (مسلمون، إرهابيون، متزمّتون)..
أمثلة كثيرة تكرس هذا الواقع، سواء في الشارع حيث نظرات الاحتراس والشكوك تطارد المحجبات المسلمات، أو في المؤسسات، حيث إقصاء هذا الاسم في الكثير من الحالات من قاموس التوظيفات، أو حتى في زيارتك لبعض المواقع الإلكترونية، بحثا عن موضوعات مرتبطة بكلمة “إسلام”، فلا تجد سوى الإرهاب والتطرف.
هكذا يتلخص وضع المغاربة اليوم في فرنسا، فهم لا يشتكون من مؤامرات تحاك ضدهم في دهاليز السلطة، لطردهم أو قمعهم، بقدر ما يعانون من الاتهامات الدائمة المعتمدة على خلفيات، قد لا تكون لها علاقة بالواقع الفرنسي أساسا. ويأتي الإعلام الفرنسي بمختلف قنواته وتوجهاته، ليجعل من العرب والمسلمين، مادة خصبة ورصيدا يتغذى منه، ليُكرس هذا الواقع الناقم، في غياب شبه تام، لإعلام عربي في فرنسا يدافع عن تميّز الإسلام واعتداله.

ومسئولية الدولة والأحزاب والمنظمات المناهضة للعنصرية بفرنسا، في التصدي لظاهرة معاداة الإسلام التي بدأت بالحجاب، وأصبحت تأخذ أبعادا قد يصعب احتواؤها فيما بعد، تقتضي صياغة رؤية شمولية لما يجب اتخاذه من إجراءات ملموسة، مثل سن قوانين ضد معاداة الإسلام، كما هو الشأن بالنسبة لقانون معاداة السامية، المعمول به في فرنسا. فاقتلاع مظاهر العنصرية وكراهية الإسلام، لن يتم بالتأكيد من خلال انتقاد النخب السياسية، وفي مقدمتها رئيس الدولة، لذبائح أضحية العيد، وتعدد الزوجات، وارتداء الحجاب، وغير ذلك من العادات والتقاليد الإسلامية، بل من خلال تفهّم هذه التقاليد واستيعاب دلالاتها الروحية لدى المسلمين، دون تخوف من أي مد إسلامي أو أي ضرر قد يلحق بالعلمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى