لاشك أن التعليم قضية وطنية مهمة وأساسية، ليس فقط بسبب حجم المعنيين بها وهم أكثر من 6 ملايين تلميذ، رقم مهم، وليس فقط بسبب أكثر من 315 ألف إطار تربوي وإداري، وإنما أيضا بسبب ارتباط المستقبل بعملية التعليم، فالأجيال القادمة هي التي يتم تدريسها اليوم، وتكوينها اليوم، فطبيبة الغد ومهندس الغد وشرطي الغد وعالمة الغد…ومسؤول الغد سواء كان تلميذة أم تلميذا فهي تصنع أو يصنع اليوم.
من هنا كان التعليم دوما قضية وطنية، ومعركة أساسية، ومسؤولية سياسية واجتماعية. لقد تصرفت رئاسة الحكومة في هذه اللحظة بحكمة وتعقل ورزانة، حيث أزالت فتيل النار من الشارع، واعتبرت السلم الاجتماعي من أولوياتها وهكذا تم الاتفاق على ما يلي:
1 تجميد النظام الأساسي من أجل تعديل مقتضياته.
2 تحسين الدخل لموظفات وموظفي قطاع التربية الوطنية.
3 وقف الاقتطاعات من أجور الموظفين المضربين ابتداء من الشهر المقبل.
4 برمجة اجتماعات تضم وزارة التربية الوطنية، ووزارة المالية، ووزارة التشغيل، من خلال برنامج زمني يبدأ أول اجتماع فيه يوم الخميس المقبل 30 نونبر 2023، وآخر اجتماع للإعلان عن النتائج سيكون يوم 15يناير 2024.
ورغم إعلان التنسيقيات لحد الآن داخل قطاع التعليم مواصلة إضرابها خلال هذا الأسبوع الجاري، احتجاجا على النظام الأساسي، والمطالبة بسحبه وتقديم نظام عادل ومحفز، فإن الأمر يتطلب تقديم المصلحة العامة والتركيز على اليد الممدودة. فإذا كانت النقابات التعليمية قد اتفقت مع رئاسة الحكومة على تجميد العمل بالنظام الأساسي، ومواصلة الحوار بشأن مواده ابتداء من الخميس المقبل مع اللجنة الوزارية، التي عينت لهذا الغرض، فذلك يعتبر إشارة على الخروج من النفق المسدود، ونعتقد أن هناك أربع أساسيات في هذا الملف:
1 نظام أساسي جديد ضمن الوظيفة العمومية.
2 شبكة أجور محترمة، تراعي الكفاءة والمردودية وتخلق التحفيز داخل القطاع.
3 وضوح المسؤوليات والواجبات والحقوق، وضوحا يحمي من الشطط من جهة، ويحمي من التسيب من جهة أخرى،
4 وضع زمن معقول للتنزيل، بحيث نجعل من هذه السنة سنة إقلاع على السكة الحقيقية،
هذه الأساسيات تدعم الاختيارات الكبرى للدولة في جعل التعليم في صلب قضية التنمية، ضمن عدالة قطاعية، حيث يشعر نساء ورجال التعليم بكثير من الحيف مقابل شواهدهم، وجهدهم وعملهم، ولابد إذا من إصلاح لنظام التعليم بما يضمن مجتمعا متوازنا، بمشاريع وقوانين مالية متوازنة، فشروط العيش الكريم لنساء ورجال التعليم مصدر إغناء وعطاء وتنمية حقيقية، وليس استنزافا لموارد الدولة كما يتوهم البعض أو يسوق البعض الآخر.
إن العقل العملي الإيجابي يقترح أمورا قابلة للتنفيذ ويراكم عليها، دون مزايدات سياسة سهلة إنتاجها ولكنها تستنزف الطاقات والجنود. وهي جزء من الشعبوية التي لا تصنع مستقبلا.