الوزير التوفيق يرمي «تيمومة» من الوزن الثقيل في بركة بنكيران: مزيج السخرية والصوفية في لجم الغوغائية عن الحديث في العلمانية!
عادة نقول بأن فلانا رمى بحجر كبير في بركة آسنة، عندما يُقْدم على فعل يثير جدلا كبيرا ويترك أثرا بعيدا، لكن ما رماه السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، في وجه عبد الإله بن كيران هو حجر تيمُّمٍ (تيمومة كما يقول المغاربة) من الوزن الثقيل.
وإذا كان ظاهر السجال، من حيث الرسالة ومن حيث رد المرسلة إليه، هو الحديث عن العلمانية، فإن الأمر، في خلفيته حديث عن التدين.. في بلاد المغرب ومكانة الدولة فيه!
وفي فقه النوازل، إذا حضر الماء غاب التيمم.. وذاك ما أراد توفيق أن يفهمه السي عبد الإله بن كيران لعله يعيد قراءة دروسه، سواء كانت في التدين (من الدين) أو في التَّعلْمن (من العلمانية) ! ….
لنبدأ من البداية:
ـ أولا الرسالة ليست حصريا ـ رسالة، بل هي (شكوى إلى الله …موجهة، قصد الاطلاع، إلى الأستاذ عبد الإله بن كيران).
وفي هكذا تعبير قدرة رهيبة على السخرية كما فيها قدر كبير من الصوفية!
والصوفية تكمن في روح التوجه إلى الله سبحانه ..
والسخرية في كون السيد عبد الإله بن كيران معنيٌّ بالاطلاع عليها.. فقط.
أي من باب تسجيل البريد، وتدوين الأدعية وانتظار حكم من رفعت إليه الشكوى..!
ـ ثانيا: اختار الوزير مخاطبة عبد الإله بن كيران بلقب الأستاذ الرئيس أو الرئيس وهو تضمين يحيل على موقعيه الاثنين، أي رئيس الحزب ورئيس سابق للحكومة، وفي ذلك دعوة إلى إدراك وضعه الاعتباري الذي يبدو أنه نسيه وغرق في المحاججة والهجوم، ونسي «واجب التحفظ الذي يفترض فيه باعتباره رئيس حكومة سابق.
ويمكن من هذه الزاوية تعميم ذلك على من سبقوه، بما يفهم منه أن أحمد توفيق يهمس في أذن بن كيران: هل فعل إدريس جطو ما فعلته أو فعله عباس الفاسي أو سبقك إليه عبد الرحمان اليوسفي … ولعل في التذكير بسلوك السابقين قدر غير قليل من استنكار التصرف الحالي للرئيس السابق. واستصغر. يلمح إليه بدون أن يصرح به.. وما يزكي القول بهذا هو الفقرة التي يفصل فيه الرد والتي يرد فيها ما يلي (وإنك عندما كنت رئيساً للحكومة قد اشتغلت على نصوص قوانين تخدم المصلحة العقلانية وتُعرض على تصويت البرلمان، وهذا أمر مقتبس من نظام غربي علماني، لأنك لو أردت أن تستشير شيوخ طائفة لأضعت كثيراً من الوقت بسبب خلافاتهم، وقد قمت بتمرير عدد من القوانين بمرجعية وفاق أو قرارات دولية، وهذا الشأن مقتبس من نظام غربي علماني. وقد كان عليك كرئيس للحكومة أن تقتنع بالحريات الفردية كما ينص عليها الدستور وتحميها قواعد النظام العام، وهذا أمر مقتبس من سياق غربي هو سياق العلمانية، وكان من مراجعاتك أيها الرئيس كل ما يتعلق بالمواطنة، وهو مرجع مقتبس من سياق تاريخي علماني، وإن كنا نجده له بعيديا، التفاصيل في تراثنا الديني).
ثالثا: اختار الوزير تضمين الرد على بن كيران باعتباره رئيس حزب.. وفي ذلك تذكير بأن المخاطب ينسى أصل الأشياء ويسعى إلى قطع الغصن الذي يجلس فوقه. ومن ذلك قول الوزير (إنك رئيس حزب سياسي عصري، والحزب السياسي العصري مقتبس من نظام غربي علماني، وإنك منتخب على أساس تكافؤ أصوات الناخبين بغض النظر عن معتقداتهم وسيرهم، وهذا الأمر مقتبس من نظام غربي علماني). وهو ما معناه أنك تنسى التفاصيل العلمانية في السياسة ولو أنه طغى عليك التمسح بالدين بعد بَوار السياسة ..
رابعا: لعل أبرز تعبير عن السخرية، عندما تكون الكفيلة بوصف حالة التهجمات الغوغائية، هو التذكير بالثوابت من علم السياسة، عندما ينساها من مارسها ويتجلى ذلك في قول الوزير لابن كيران (أنت كنت مضطراً إلى تحالف حكومي، ولا يفترض أن يكون حلفاؤك فيه على نفس الاقتناع أو الفهم للدين، وهذه خلطة أخرى “طيبة” متأصلة في مطبخ العلمانية).. ولنا أن نتصور عبد الإله بنكيران وهو «يلتهم الخلطة الطيبة في مطبخ العلمانية»، أو نتخيله وهو يبتلع «خردولة» العلمانية في إشباع شهيته السياسية !
خامسا: اختار الوزير أن يخضع زعامة ابن كيران إلى بعض النسبية، وهو يخاطبه من وراء …. «ظفرين» أو مزدوجتين «»! بقوله: (إن الكلام عن العلمانية (Secularism) قد لا يحسنه كل “زعيم”).. وهو تنبيه إلى عدم الخوض في شؤون «الزعامة العلمانية»، إذا تيسرت «الزعامة السياسية» ذلك لأن هذا الموضوع أكبر ممن يخوض فيه….
ختاما، وبالرغم مما سبق، أو بسببه، يمكن الجزم بأن عبد الإله بن كيران مطالب بأن يشكر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد توفيق، على الخطاب الموجه إليه، فهو على الأقل رفعه قليلا، وأخرجه من مهاتراته وملاسناته التي لا حصر لها مع كل من لم يعجبه رأيه..!
وأحيانا أنقذته من أحاديثه الطويلة والعريضة عن حميد المهداوي أو مشاحناته مع مايسة أو صحافيين أفرادا…