الأخباررأي في قضيةمستجدات

الملياردير والوزيرة.. لمصلحة من يا ترى؟

الخط :
إستمع للمقال

في كل الفضائح التي تندلع وتلطخ سمعة كبار السياسيين ورجال الأعمال عبر العالم يجب طرح سؤال واحد ومهم وهو «لمصلحة من يا ترى؟».

ومن خلال متابعتي للمبادرات الشجاعة التي يقوم بها المغرب من أجل جذب كبريات الدول والمستثمرين الدوليين للمساهمة في ورش إنتاج الهيدروجين الأخضر والانطلاق من المغرب نحو أفريقيا، لاحظت أن هناك صراعا عالميا حول هذا الورش تستعمل فيه وكالات الاستخبارات العالمية عملاءها من أجل تفليس كل من ينوي وضع ثروته رهن هذا المشروع.

وبالنسبة لرجل الأعمال الأسترالي أندرو فورست، الذي يعيش منذ 2023 أسوأ فترات حياته، فإنه ليس أول من يجد نفسه في عين الإعصار بسبب طموحاته في مجال الطاقات البديلة لتعويض الطاقات الأحفورية، ولن يكون الأخير طبعا.
وبسبب مواقفه المعادية لمصالح الشركات البترولية العالمية الملوثة للبيئة فقد ربح أندرو فورست أعداء على درجة كبيرة من النفوذ والقوة، أبرزهم الملياردير الأسترالي اليهودي الأصل روبيرت مردوخ مالك الإمبراطورية الإعلامية التي لا تغيب عنها الشمس والتي توجد ضمنها صحيفة الدايلي مايل التي نشرت صورة القبلة الباريسية التي نسبتها لوزيرة الطاقة ليلى بنعلي، متسائلة هل سيؤثر ذلك على استثمارات فورست بالمغرب. وهذا الربط بين نشر الصورة والقصة الخبرية وبين التساؤل عن مصير استثمارات وكل الأعمال بالمغرب يقول كل شيء، إذ المهم في القصة هو استثمارات فورست وليس علاقته المفترضة مع الوزيرة.

شخصيا أعتقد أن الوزيرة مظلومة في هذه القصة، فشبهة تضارب المصالح مستبعدة لكون الملياردير ليس معروفا بإرشاء حكومات الدول للحصول على صفقات لشركاته بل معروف أكثر بأعماله الخيرية التي حصل بفضلها على لقب «أسترالي العام»، وهو الذي أعلن أكثر من مرة أن ثروته لن يرثها أبناؤه لأنه ينوي التبرع بها قبل موته. وطبعا فرجل بكل هذه الثروة وهذا النفوذ لابد أن يكون لديه أعداء يترصدون حركاته وسكناته، وعلى رأسهم إيلون ماسك الذي وصفه الملياردير الأسترالي في مؤتمر مراكش بالدمية لتشكيكه في قدرة الهيدروجين الأخضر وادعائه أنه ليس له مستقبل جماعي.



وليس مردوخ الخصم الوحيد لفورست، خصوصا بعد إعلانه نيته تقديم مساعدة مالية للمدنيين في غزة بقيمة 6 ملايين و306 آلاف و900 دولار، أو إيلون ماسك مالك منصة إكس تويتر سابقا، بل هناك أيضا وحش ثالث هو مارك زوكربيرغ مالك ميطا، فيسبوك سابقا، والذي دخل معه فورست في نزاع قضائي بسبب سماح منصة فيسبوك باستغلال صور الملياردير في الإعلانات التي ينشرها الموقع.

والواقع أن سنة 2023 كانت سنة المصائب بالنسبة للملياردير الأسترالي، فقد وضعت ضده شكايات بالتحرش الجنسي من طرف مستخدمين سابقين في شركته، انتهت جميعها لصالحه.

بعدها بدأت سلسلة استقالات لأطر الشركة، أكثرها وقعا استقالة المدير المالي الذي اشتغل إلى جانب فورست مدة طويلة في شركة فورتيس كيو ميطال وفورتيس كيو نيو أنديستري.

ثم جاء الطلاق من زوجته التي لديها نصف حصة الأسهم معه، فمن 36 سهما في المجموعة تمتلك الزوجة 18، أي الحق في نصف مبلغ الثروة المقدرة بحوالي 25 مليار دولار. وقد كان تخوف الملياردير الأكبر هو أن تبيع الطليقة أسهمها أو جزءا منها فيتسبب ذلك في انهيار أسهم الشركة في البورصة.

وما يحصل للملياردير الأسترالي فورست اليوم بسبب استثماراته في المغرب سبق أن حصل مع ملياردير هندي اسمه غوطام أداني كان إلى حدود فبراير من سنة 2023 أغنى رجل بثروة فاقت 120 مليار دولار. هذا الملياردير راودته فكرة استثمار ملايين الدولارات في مجال الهيدروجين الأخضر بالمغرب، بعدما رأى كبريات الدول تتزاحم أمام باب المغرب للفوز بنصيبها من هذه الكعكة، وعلى هذا الأساس برمج لقاء في نونبر من مع السفير المغربي في بومباي. المشكلة هي أنه في فبراير (والتوقيت هنا مهم) انهارت شركته بسبعين بالمائة وهبطت ثروته من 120 مليار دولار إلى 40 مليار دولار.

وهكذا ففي ظرف ستة أيام انتقل الملياردير الهندي من المركز الثالث بين قائمة أثرياء العالم إلى المرتبة 21.
وقد كان سبب هذا الانهيار تقرير مالي صاغته شركة ألمانية صغيرة في مجال الشورتين قدمت فيه عشرة أسباب تراها وجيهة لاحتمال انهيار شركة غوطام، وهو التقرير الذي التقمته المنصات الخاصة بالأخبار الاقتصادية. ومن بين النقط التي كشفها التقرير أن غوطام كان يغش، فهو يقول إنه يملك 25 بالمائة من أسهم الشركة فيما الأسهم 25 الأخرى موجودة في البورصة، والحال أن هذه الأسهم تملكها شركات في ملكيته، وهي التي تشتري الأسهم في البورصة لكي يظهر أن هناك طلبا عليها بهدف إقناع البنوك بمنحه قروضا. وأهمية القروض البنكية بالنسبة لهذه الشركات الكبرى المدرجة في البورصة تكمن في كونها لا تدفع عنها ضرائب مثلما هو الأمر مع ضخ أموال خاصة في الشركة.

ليس صدفة أن الشركة التي نشرت التقرير الذي قصم ظهر غوطام موطنة في ألمانيا، فألمانيا إحدى أكبر الدول المهتمة بالاستثمار في مجال الهيدروجين الأخضر، وقد خصص صندوق التنمية الألماني غلافا ماليا يصل إلى 270 مليون يورو، لدعم إنتاج هذه الطاقة في المغرب، ودول أخرى كتونس التي تبنى برلمانها مشروع قانون يتعلق بتشجيع مشاريع الهيدروجين الأخضر بتاريخ 30 أبريل 2024، وقدمته لبرلين.

ولحسن حظ غوطام أن صديقه وابن قريته مودي هو رئيس الحكومة الهندية، وهو الذي يمكنه من الحصول على الصفقات العمومية التي بدونها لم يكن ليستطيع استعادة عافيته وبلوغ ثروته حوالي 80 مليار دولار اليوم.

إنه لمن الوهم الاعتقاد بأن الطاقات البديلة سواء الشمسية أو الريحية أو المائية المنتجة للهيدروجين الأخضر ستعوض في المستقبل الطاقات التقليدية الأحفورية المستهلكة للغاز والبترول والملوثة للبيئة. لكن من الغباء أيضا الاعتقاد بأن هذه الطاقات البديلة لن تنجح في الحصول على حصص في سوق الطاقة العالمي، وهنا يكمن سبب الصراع بين مليارديرات الطاقات البديلة المدافعين عن البيئة ومليارديرات الطاقات الأحفورية الملوثين للبيئة. فكل طرف يستعمل الأسلحة التي بين يديه لإضعاف الآخر وجرجرة سمعته في الوحل ودفعه نحو الإفلاس. وفي هذه الحرب تلعب أجهزة الاستخبارات المتنكرة في لبوس الصحافة دورا أساسيًا، ولذلك فالسياسيون ورجال الأعمال عندما يسافرون ويظهرون في أماكن عمومية أو خاصة يكونون تحت أعين رجال المخابرات العالمية الذين يترصدون ويسجلون سكناتهم وحركاتهم.

لذلك فهناك حاجة ماسة لتحسيس رجالات الدولة من وزراء وسياسيين ورجال أعمال بضرورة توخي الحذر كلما غادروا المغرب نحو وجهة خارجية، لأنهم سيكونون تحت المراقبة بطرق لا يمكنهم تخيلها، وكل المعلومات التي تسجل عنهم قد تصبح أداة بين أيدي جهات ومجموعات ضغط لممارسة الابتزاز للحصول على مكاسب وامتيازات. وبهذا المعنى يمكن قراءة الجواب الذي قالته وزيرة الطاقة ليلى بنعلي من كونها تتعرض للضغوطات منذ السنة الماضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى