أكد عبد الرحيم العلام الباحث في القانون الدستوري وعلم السياسة أن “تعيين وزير بدون حقيبة ضمن التشكيل الأول للحكومة هو خطأ، أما تعيين شخص آخر عند شغور هذا المنصب – إن تمّ – فهو إصرار على الخطأ.
وقال العلام في مقال رأي تحت عنوان”هل يجيز الدستور تعويض الراحل بَاها داخل الحكومة؟ أن الحكومة الحالية تضم أكثر من وزير غير مرتبط بحزب سياسي، من قبيل وزراء: الأوقاف، والفلاحة، والأمانة العامة للحكومة، والوزير الملكلف بإدارة الدفاع الوطني، ووزير الشؤون العامة، وزير التربية الوطنية، ووزير الداخلية ناهيك عن المندوب الوزاري لحقوق الإنسان الذي لا نعرف وضعيته الدستورية.
وفي مايلي نص المقال الذي يتطرق فيه العلام لمدى دستورية تعيين المرحوم عبد الله باها في منصب وزير الدولة:
هناك أنظمة سياسية استطاعت أن تزوّد الوثائق الدستورية بأعراف وممارسات سياسية ديمقراطية أضحت فيما بعد أعرافا دستورية لا يمكن خرقها. فمن المعروف، مثلا، أن الدستور الأمريكي الذي صدر في أواخر القرن الثامن عاشر ولا زال معمولا به حتى اليوم، لا يحدد عدد ولايات رئيس الدولة، وإنما الذي كرّس عرف ولايتين كحد أقصى هو العرف الذي أسسه أول رئيس للاتحاد “جورج واشنطن”، حيث رفض أن يترشح للمرة الثالثة رغم حظوظه الوافرة، وهو ما أضحى مبدأ دستوريا لم يستطع أي رئيس من بعده مخالفته (باستثناء مرحلة روزفلت نظرا لأجواء الحرب العالمية الثانية).
فهذه المسألة وغيرها كثير في الديمقراطيات الحديثة، تُبين كيف أن الأعراف والممارسات ينبغي أن تسير في اتجاه المزيد من الدّمقرطة وليس إفراغ الوثائق الدستورية من محتواها، سيما إذا كان هذا المحتوى ضعيف أصلا.
وهذا ما حدث في المغرب بخصوص الوثيقة الدستورية المعدلة سنة 2011، والتي تم تجاوزها في أكثر من مناسبة، ولم تُحترَم بنودها في أكثر من واقعة. ومن الوقائع التي تطرح نفسها هذه الأيام مسألة منصب وزير دولة (وزير بدون حقيبة).
فهذا المنصب تم استحداثه بعد رفض طلب السيد رئيس الحكومة بخصوص تعيين نائب له، حيث تم اللجوء إلى منصب وزير دولة الذي شغله المرحوم عبد الله بها حتى وفاته.
لكن يظهر أنه بدلا من الحسم مع هذا الإجراء ومحاصرته في واقعة محدودة لا يمكن تكرارها، يُروّج البعض إلى ضرورة ملأ المنصب الشاغر في الحكومة بإحدى الشخصيات السياسية الأخرى، إذ بدأ بورصة الأسماء في التداول. وهذا إن تم فإنه يعد مخالفة ثابتة وصريحة للدستور، ويعد تكريسا لعرف أراد تعديل 2011 أن يتجاوزه.
لقد نص الفصل 87 من دستور 2011 على ما يلي: «تتألف الحكومة من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة. يُحدد قانون تنظيمي، خاصة، القواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها». فهذا النص شديد الوضوح حيال هيكلة وتركيبة الحكومة، إذ أراد من خلاله المشرع ـ نفترض ذلك في غياب الأعمال التحضيرية للدستور التي وعد السيد المنوني بنشرها ـ سد الطريق على مجموعة من الممارسات السابقة، ومن هذه الممارسات ضمّ الحكومة لوزراء السيادة ووزارء الدولة بدون حقيبة، والوزراء المنتدبون.
فمن خلال هذا النص يتبين أن الحكومة تتألف من ثلاث عناصر لا أكثر وهي: أولا، رئيس الحكومة؛ ثانيا، الوزراء؛ ثالثا، يمكن أن تضم كتابا للدولة.
وهو ما يفيد أن الفصل 87 ارتقى بمنصب الوزير الأول إلى مستوى رئيس الحكومة، وهو ما يعني دسترة مؤسسة رئاسة الحكومة. وإلى جانب رئيس الحكومة تتألف الأخيرة من الوزراء، والتعريف القانوني للوزير لا يخرج عن كونه الشخص المسؤول عن حقيبة وزارية وملتزم بقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينص عليها الدستور في فصله الأول. فلا يمكن أن تستقيم هذه القاعدة بدون وجود وزير يتحمل حقيبة وزارية ويُلزم قانونيا بتدبيرها، وهو ما يفيد استحالة محاسبة وزير بدون حقيبة، إذ لا يمكن محاسبة شخص عن مسؤولية لا يتحملها. فلو أراد المشرع أن تضم الحكومة وزير دولة أو نائب رئيس الحكومة لكان نص على ذلك بالنص، قياسا على تنصيصه على إمكانية ضم الحكومة لكتاب الدولة.
لقد تمت مخالفة الدستور إذن، عندما تم تعيين وزير دولة بدون حقيبة ضمن تركيبة الحكومة. علاوة على أن الدستور نص على إمكانية أن تضم الحكومة كتابا للدولة ولم ينص على أن تضمل وزراء منتدبين. والفرق بين الوزير المنتدب وكاتب الدولة واضح وعميق. فالأول يتحصّل على كامل الصلاحيات، بل تُقارب صلاحياته تلك التي لدى الوزير العادي أو تتفوق عليها أحيانا، كما هو شأن الوزيرين المنتدبين في الداخلية والخارجية، بينما الثاني لا اختصاص له إلا بما يفوضه له الوزير الأصيل، كما أنه لا يحضر المجالس الوزارية.
إن تضمين الحكومة منصب وزير دولة بدون حقيبة يعتبر حالة غير قانونية وغير دستورية، مما جعل رئيس الحكومة في وضع حرج. فقبوله بمخالفة الدستور وإصراره على منصب وزير دولة، جعله في وضع لا يسمح له بالتقرير في هيكلة الحكومة، سواء بخصوص ضمها للوزراء المنتدبين أو ما يسمى بوزراء السيادة، في تناقض واضح مع مبدأ «ربط المسؤولية بالمحاسبة».
فمن المعلوم أن الحكومة الحالية تضم أكثر من وزير غير مرتبط بحزب سياسي، من قبيل وزراء: الأوقاف، والفلاحة، والأمانة العامة للحكومة، والوزير الملكلف بإدارة الدفاع الوطني، ووزير الشؤون العامة، وزير التربية الوطنية، ووزير الداخلية ناهيك عن المندوب الوزاري لحقوق الإنسان الذي لا نعرف وضعيته الدستورية.
باختصار يمكن القول بأن تعيين وزير بدون حقيبة ضمن التشكيل الأول للحكومة هو خطأ، أما تعيين شخص آخر عند شغور هذا المنصب – إن تمّ – فهو إصرار على الخطأ.