الأخبارركن الميداويمستجدات

الرئاسيات الجزائرية.. عبد المجيد تبون يسخر من شعبه بفوز سريالي في انتخابات شكلانية قذرة

الخط :
إستمع للمقال

لم تكن هناك مفاجئات تذكر في إعلان الجزائر عن فوز عبد المجيد تبون بنسبة سريالية تقارب 95 في المئة من الأصوات، في انتخابات تنوعت آراء المحللين والنشطاء العرب والأجانب في وصفها، بالمهزلة الانتخابية المكسوة بحلة ديمقراطية ودستورية مزيفة.

واللافت في هذه الانتخابات الجوفاء، ليست الضبابية التي رافقت إعلان النتائج، وعدم تطابقها مع محاضر فرز الأصوات، كما اعترف بلك عبد المجيد تبون نفسه، وإنما كون المرشح الرئاسي واحد لا شريك له، وكل من ترشح لمنافسته، إنما فعل ذلك للديكور الانتخابي القاضي بإضفاء الشرعية على الفساد السياسي المتعشش في البنية النفسية للطغمة العسكرية، التي حكمت البلاد منذ أن حصلت على لقب دولة بمفهومها القانوني والدستوري عام 1962.

فبعد حملة انتخابية خبيثة بُنيت على تخويف الجزائريين من الحرب التي “يُجهّز لها المغرب بمعية إسرائيل”، في محاولة لإخماد وهج الارتباط بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، وتغذية مشاعر الكراهية والعداء بينهما، باضت الانتخابات الجزائرية من جديد، عجوزا مريضا يشكك الكثيرون في قدراته العقلية، وهو الذي يطل على الثمانين من عمره، فيما وضعه الصحي يثير الكثير من المخاوف بسبب معاناته من وهن متزايد، ومن حالات إغماء منتظمة نتيجة مضاعفات إصابته بفيروس كورونا. والبيضة الجديدة التي أعاد الديك العسكري إنتاجها بقصر المرادية، لها وظيفة مرسومة بدقة، تقوم على إعادة إنتاج التسلط والاستبداد بشكل ناعم، على الشعب الجزائري المثقل بهمومة المعيشية ومخاوفه الأمنية. أي الانتقال به من الممارسة الاستبدادية الخشنة والمفضوحة، إلى وضعية هي الأخرى استبدادية، لكنها ناعمة ومُتستّرة.

ومن هنا ذهبت الكثير من وسائل الإعلام الدولية إلى اعتبار الانتخابات الرئاسية الجزائرية مجرد لعبة سياسية لشرعنة النظام وتجميله داخليا وخارجيا، من خلال إضفاء مسحة ديمقراطية شكلية تروم ترويض قوى المجتمع وإعادة بنائها وفق شروط النظام.

ومن هنا أيضا لا يجوز تحميل الانتخابات الجزائرية أكثر مما تتحمل، وشغل العقل باستنتاجات فارغة، عن مدى صدقيتها وانعكاساتها على المعيش اليومي للجزائريين. فهي لا تعبر عن وزن أو شعبية أي من المرشحين، ولا عن قناعة الناخبين أو توجهات الشارع، كما في الديمقراطيات العريقة. هي مجرد لعبة قذرة رابحة جدا لمن يُتقنها، ويُتقن معها أساليب التحايل وتزييف إرادة المواطنين، ارتكازا على مناورات شيطانية تقول بالشيء وضده في آن واحد.

ولا غرابة والحالة هاته أن يفوز تبون بنحو 95 % من الأصوات وسجله الحكومي حافل بالفشل على مدى خمسين سنة استوزر فيها، وفاز خلالها في كل الاستحقاقات البرلمانية، على قاعدة الكذب والشعارات والوعود الخادعة.
قد يرى البعض في الاحتكام إلى صندوق الاقتراع الرئاسي، الأساس الأمتن لرعاية مصالح المواطنين والاستجابة لتطلعاتهم. تلك فرضية صحيحة في الديمقراطيات العتيقة، ومتاحة حتى في الديمقراطيات الفتية التي تخلصت من نظام العسكر، وتؤمن بالتكامل وليس الإقصاء، وبالتفاني وليس الاستخفاف والضحك على ذقون الناخب.
والآن وقد أنتجت الانتخابات الشكلية الجزائرية نفس الطغمة الحاكمة، المسكونة بعقيدة كيدية ترجمها رئيسها بوضوح في الحملة الانتخابية المُخزية، التي لم يتوقف أثناءها عن التباهي بجاهزية جيوشه لردع التهديد القادم من المغرب ومعه إسرائيل، وتكرار أسطوانته المشروخة القائلة ب”عدم التخلي مهما كان”، عن مرتزقة البوليساريو وعن “حقهم في تقرير المصير”. واليوم، وبعد أن أعيد انتخاب من أقسم جهرا في حملته الانتخابية ب”عدم التخلي عن حق الانفصاليين المغتصب كما “اغتصب حق الشعب الفلسطيني” على حد زعمه الشيطاني البئيس، لم يعد للدبلوماسية المغربية من خيار سوى الإصغاء لما يشبه الإجماع المغربي بشأن تبني دبلوماسية هجومية لدعم ثمانية مليون سكان القبايل قاريا ودوليا، ضمن مسعى إنساني يفضح الوجه القبيح للاحتلال الجزائري لتلك المنطقة الشرقية من الجزائر وعاصمتها تيزي وزو.

فمن المؤسف جدا أن تظل الدبلوماسية المغربية على نفس النهج الدفاعي منذ نصف قرن، تتباهى تارة بتبني دولة جديدة لمشروع الحكم الذاتي، وتدين تارة أخرى السياسة الجزائرية الحاقدة على الوحدة الترابية المغربية، وهي دبلوماسية أثبتت محدوديتها في كبح جماح الطغمة الحاقدة التي ليس لها من رادع سوى المعاملة بالمثل، امتثالا لقوله تعالى :”فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم”. وسياسة المعاملة التي ترفضها الدبلوماسية المغربية رفضا قاطعا لا تخرج في واقع الأمر عن معادلة “كبرها تصغار” التي كانت دائما ركنا من أركان سياسة الحكيم الرحل الحسن الثاني في الداخل والخارج. وهي سياسة تروم التعامل بنبل وتسامح مع المحيط الخارجي، وخاصة مع من يجمعنا بهم المصير المشترك، وفي نفس الحين التعامل بشكل رادع وفاصل مع المتربصين المعتدين.

فكما يطالب حاكم الجزائر وبإلحاح هستيري في غير ما مناسبة بتقرير المصير لكمشة من الانفصاليين، فإن من واجب المغرب إنسانيا وأخلاقيا المطالبة بنفس الحق لسكان القبايل، وعددهم يتجاوز الثمانية ملايين نسمة، يعيشون منذ عقود طويلة تحت رحمة الاحتلال الجزائري المتسلط.

وفيما تكسب الدبلوماسية المغربية نقطا هنا وهناك، يحاول ساسة الجزائر وعلى رأسهم عبد المجيد تبون طرق أبواب جديدة هنا وهناك، من باب التسول والاستعطاف.

وهكذا تظل قضيتنا الوطنية تتأرجح بين عملية كسب نقط، وخسارة أخرى، قد تدوم عقودا دون أي أفق لحل القضية من أساسها. وهو ما يعني أن الاختراقات التي شهدتها قضية الصحراء، منذ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، مرورا بفتح دول عربية وأفريقية عديدة قنصليات لها في مدينتي الداخلة والعيون، إلى دعم إسبانيا وفرنسا أخيرا لمشروع الحكم الذاتي، كل ذلك، صحيح، أحدث وبشكل ملحوظ، حالة من الذعر والقلق في أوساط الطغمة العسكرية، لكنه لم يحد قيد أنملة من إصرارها على إيذاء المغرب وزعزعة استقراره.

والسؤال الذي يتعين طرحه وبإلحاح على الدبلوماسية المغربية، هو متى ستتوصل إلى فهم عملي وليس فهما سلبيا عاجزا عن التحرك، مُلخصه أن لصوص الجزائر لا يفهمون إطلاقا لغة الجوار والتحاور، والسبيل الوحيد لاقتلاع النزاع المفتعل من جذوره، هو ببساطة جليدية، المعاملة بالمثل، ثم المعاملة بالمثل، وليس سوى المعاملة بالمثل. وواهِم من يعتقد، من صناع الدبلوماسية المغربية، أن هناك من رادع للرئيس تبون، غير المواجهة على قاعدة البادي أظلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى