الذكاء الاصطناعي في خدمة الأمن.. نموذج الشرطة المغربية
نشرت مجلة الأمن والحياة الصادرة عن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، مقالا للمراقب العام للشرطة بوبكر سبيك، المتحدث باسم المديرية العامة للأمن الوطني، سلّط من خلاله الضوء على أبرز استعمالات وتطبيقات تقنيات الذكاء الاصطناعي من طرف مصالح الأمن المغربية، مؤكدا أن المديرية العامة للأمن الوطني تعمل بشكل استراتيجي ومستدام على تحديث أساليب عملها وربطها بالتكنولوجيات الحديثة ومستجدات العالم الرقمي، مستحضرة دور هذه التكنولوجيات في مجابهة تحديات الأمن المادي من جهة، وحماية الفضاء الرقمي من الهجمات السيبرانية من جهة ثانية.
واختار سبيك لمقاله حول هذا الموضوع، عنوان ”الذكاء الاصطناعي في خدمة الأمن.. نموذج الشرطة المغربية”، حيث أكد فيه أن “توظيف التقنيات المستمدة من الذكاء الاصطناعي أضحى خيارا استراتيجيا وضرورة حيوية لدعم منظومة اتخاذ القرار وتنفيذ المهام الميدانية المطبوعة بالتعقيد والتدفق الكبير للبيانات، فضلا عن زيادة القدرة على مكافحة التهديدات المستجدة وتحسين جودة خدمات الشرطة، وبالتالي ضمان بيئة عيش آمنة ومأمونة للجميع”.
وحسب المسؤول الأمني المغربي، فأنظمة الذكاء الاصطناعي تقدم حلولا مستجدة ومساعدة لمصالح الشرطة، وهي الحلول التي أكد أنها لا تقتصر على مجالات أمنية بعينها، بل تمتد إلى “تخصصات شرطية متباعدة، فمن تعزيز أنظمة المراقبة الحضرية إلى عصرنة الأمن بالشارع العام وتدبير المعطيات والبيانات العملياتية، مروراً عبر الأمن السيبراني وعمليات محاكاة التهديدات الإرهابية، كلها تطبيقات تعمل مصالح الأمن الوطني بالمملكة المغربية على استغلالها في تحقيق غايات الأمن الجماعي وحماية الأشخاص والممتلكات”.
وأضاف المراقب العام بوبكر سبيك، أن الفرق التقنية للمديرية العامة للأمن الوطني تعمل على إجراء دراسات دائمة وعملية لتطوير الحلول التكنولوجية الموجهة لدعم مصالح الشرطة وتعزيز فاعليتها، وهي العملية التي “أظهرت منذ عدة سنوات تطور خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة، خصوصا تلك الخوارزميات التي تعتمد الرؤية عبر الكمبيوتر والتي تمنح أنظمة الحاسوب إمكانيات واسعة لتحليل وتفسير كمية كبيرة من البيانات التي يتم جمعها من خلال أجهزة استشعار متعددة، مما يسمح لهذه الأجهزة برؤية وفهم محيطها، وبالتالي تعتبر الأنسب لمصالح الأمن والشرطة”.
وحسب نفس المسؤول، فمن بين أبرز تطبيقات أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعتمدها الشرطة المغربية، نجد “أنظمة المراقبة الحضرية البصرية المعروفة بـSMART LPR، وهي عبارة عن برمجية تستعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحليل كمية كبيرة من بيانات كاميرات المراقبة المنصبة بشكل عام بشوارع وتقاطعات حواضر المغرب الكبرى كالدار البيضاء وأكادير ومراكش وطنجة وغيرها”، مؤكدا أن “هذه العملية تتعلق بانسيابية حركة السير وكثافتها والمحاور الطرقية التي تعرف ضغطا وتلك التي يمكن استغلالها لرفع الضغط، فضلا عن المعطيات المتعلقة بالعربات التي تستغل الشبكة الطرقية وطبيعتها وعددها ومساراتها”.
وأبرز المسؤول ذاته أن هذه العملية تهم “تجميع هذه المعطيات وتخزينها ومعالجتها عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي، قبل وضعها رهن إشارة القيادات الأمنية والدوريات الشرطية وقاعات القيادة والتنسيق من أجل تسهيل عملية اتخاذ القرار والتحكم في العمليات الأمنية بالشارع العام وفق رؤية واضحة وفي إطار زمني ومكاني قصير”، مشددا على أن “قدرة هذا النظام على دراسة وتحليل حركية السير وكثافته في وقت وجيز، تُمكن من تفادي الاختناقات المرورية وتوجيه عمليات السير نحو محاور أخرى بديلة، كما أن من شأن استغلال نظام القراءة الذكية للوحات الترقيم توفير الموارد البشرية ورصد المركبات المسروقة وتلك غير المرخص لها باستغلال محاور طرقية معنية”.
وأكد بوبكر سبيك ضمن نفس المقال على أن “أنظمة الذكاء الاصطناعي المرتبطة بأنظمة المراقبة الحضرية تسهم في المساعدة على اكتشاف بعض الحالات الشاذة وبعض الأفعال التي تنطوي على ممارسات إجرامية أو مخالفات قانونية بشكل يمكن من تنبيه الدوريات للتعامل معها في إبانها، ما يسهم بشكل مباشر في الرفع من مستويات الثقة في الأمن خدمة عمومية مع تقليل عبء العمل والضغط على رجال الشرطة”.
ومن بين الاستعمالات الأخرى التي أبرزها المراقب العام للشرطة بوبكر سبيك، في مقاله، تقنية SMART-IJ، التي عملت فرق التطوير والبرمجة المعلوماتية التابعة للأمن الوطني عملت على تطويرها وبلورتها، وهي عبارة عن منظومة تستند إلى خوارزميات التعرف على الوجه باستعمال الذكاء الاصطناعي، وذلك من أجل رصد المشتبه فيهم ومقارنة صورهم مع تلك المخزنة بقواعد البيانات التي تحتفظ بها المديرية العامة للأمن الوطني، مضيفا، أن هذا البرنامج يقوم ببناء صورة وصوت الشخص وفق نموذج معلوماتي، تتم مقارنتها مع تلك المخزنة بقواعد البيانات الأمنية من أجل تحديد الأشخاص المطلوبين أو الخطرين ضمن الحشود، خصوصا في المطارات وفي الملاعب الرياضية والفضاءات التي تحتضن تظاهرات ثقافية وفنية كبرى.
وأضاف سبيك في معرض حديثه عن هذه التقنية أن “هناك أيضا نظام المعلومات الجغرافية، وهو عبارة عن أداة لتسهيل الإدارة التشغيلية للتدخلات الشرطية، حيث يسمح هذا النظام بعرض العديد من البيانات على الخريطة الجغرافية بشكل يسمح بتكوين قاعدة بيانات جغرافية ومكانية تشمل التقسيم الميداني للمصالح والدوريات والفرق الأمنية ومواقع الحواجز الإدارية والقضائية والبنيات التحتية الحيوية والحساسة وفرق تأمينها”.
وأشار المسؤول الأمني المغربي، إلى أنه “بفضل هذا النظام المرتبط بأكثر من 800 جهاز لتحديد المواقع مثبت على مركبات دوريات الشرطة، أصبح اليوم بإمكان قاعات قيادة العمليات معرفة الموقع الدقيق لدوريات الشرطة في أي وقت وعرضها على الخريطة وتتبعها والحصول على معطيات دقيقة حول المهام التي تنفذها بالشارع العام”، مؤكدا أنه يجري حالياً ربط هذا النظام بمنظومة الاتصالات اللاسلكية الجديد TETRA، من أجل استخدام أجهزة الراديو المحمولة المتاحة للشرطة، حتى تتمكن من تحديد الموقع الجغرافي لهذه الأجهزة بشكل آني ومباشر”.
في سياق متصل، أكد المسؤول ذاته في مقاله، أن “الفرق التقنية التابعة للأمن الوطني تعكف على دمج التقنيات المستمدة من أنظمة الذكاء الاصطناعي ضمن منظومات اليقظة المعلوماتية، سواء تعلق الأمر بتلك الخاصة بأنظمة الشرطة الداخلية، أو تلك المرتبطة بالشبكة العامة للإنترنت، بشكل يسمح لهذه الفرق بالرفع من فعاليتها في كشف التهديدات والهجمات ومواجهتها، فضلا عن تعلم أنماط هذه الهجمات وبناء القدرات في مواجهتها وصدها وتحديد مرتكبيها وإخضاعهم للأبحاث القضائية الضرورية”.
وأكد سبيك خلال استعراضه للجهود الأمنية لمكافحة المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي نفسه، أن “مسؤولية مصالح الأمن الوطني في وضع أسس منظومة استجابة وطنية شاملة، تهدف إلى تقييم الأخطار والاستعمالات الإجرامية لأنظمة الذكاء الاصطناعي كجزء من الاستعمالات غير المشروعة للفضاء الرقمي، وهي المنظومة التي تروم إعداد آليات كفيلة بزجر هذه الأنماط الإجرامية المستجدة ومواكبتها على المستوى التقني والقانوني والقضائي، وهو ما يقتضي توفير الوسائل التكنولوجية وتكوين الكفاءات الأمنية وتطوير وسائل البحث والتحري القادرة على التعامل مع الأساليب الإجرامية المستمدة من أنظمة الذكاء الاصطناعي”.
وعن استراتيجية الاستجابة العملياتية التي تفردها المديرية العامة للأمن الوطني للتهديدات الأمنية التي تستعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي كالهجمات السيبرانية وتقنيات التزييف العميق، قال المراقب العام للشرطة ضمن نفس المقال، إن “مصالح اليقظة المعلوماتية وفرق الأمن المعلوماتي التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني تعمل على تطوير نماذج محاكاة قادرة على رصد الهجمات التي تقوم بها الروبوتات المطورة باستعمال الذكاء الاصطناعي وتحييدها، وهي العملية التي تستلزم إلى جانب الكفاءات والخبرات التقنية العالية مستويات متقدمة من إتقان التعامل مع البرمجيات الخبيثة المعززة بأنظمة الذكاء الاصطناعي”.
وعلى مستوى مواجهة مخاطر التزييف العميق والشائعات على الأمن والنظام العاميين، أشار ذات المسؤول الأمني إلى أن “مصالح الأمن المغربية تتوفر حاليا على منظومة يقظة متكاملة، قادرة على تقفي الأخبار الزائفة التي تستعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي في نشر الإشاعة وتهديد النظام العام، فضلاً عن القدرة الآنية على التعامل مع هذه المحتويات وتكذيبها وتبيان حقيقتها. معتمدة في ذلك على شبكة متكاملة من الوسائط الإعلامية والتواصلية التي تتنوع بين شبكات موثقة على مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسة، ومجموعة واسعة من وسائل الإعلام العمومية والخاصة القادرة على الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المواطنين”.
في نفس الإطار، شدّد سبيك على أن المديرية العامة للأمن الوطني تتوفر على خبرات واسعة في مجال التعامل مع الاستعمال التدليسي للروبوتات التفاعلية من قبل التنظيمات الإرهابية والإجرامية، حيث تعكف فرق متخصصة على دراسة وتحليل المعطيات المتعلقة بحركية البيانات على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الأكثر استعمالاً، بالشكل الذي يسمح برصد أي استعمال تدليسي لأنظمة الذكاء الاصطناعي في توجيه الرأي العام والتأثير عليه عبر خطاب راديكالي يعزز التطرف.
وأبرز بوبكر سبيك في مقاله أيضا، أن “المديرية العامة للأمن الوطني تسعى إلى تعميم ثقافة الوعي بواقع وتداخل تقنيات الذكاء الاصطناعي مع جميع جوانب الحياة البشرية المعاصرة. وهي الثقافة التي تفرض على نساء ورجال الشرطة بمختلف رتبهم وتخصصاتهم الشرطية التوفر على الحد الأدنى من المعرفة التقنية، بشكل يسمح لهم باستحضار الإمكانيات والخبايا التكنولوجية خلال ممارسة مهامهم الوظيفية”.
وختم المتحدث باسم المديرية العامة للأمن الوطني، مقاله بالإشارة إلى أن “مستقبل الذكاء الاصطناعي في المجال الأمني لا يتضمن نقل مهام البشر إلى الآلات، بقدر ما سيكون عبارة عن تعاون كبير بين الطرفين البشري والآلي، مما يسمح بظهور أنظمة جديدة تتميز بنماذج أعمال مبتكرة وأدوار وظيفية”.