قرآن مختلف ودين جديد، بالإضافة لشعائر أجازت للمغاربة في فترة ماضية الإفطار في رمضان وصيام رجب، وأداء عشر صلوات في اليوم ولا ترى حرجا في الصلاة بالجنابة؛ بل تقيم الحد على السارق بالقتل وتنكر فريضة الحج وتحرّم أكل السمك والبيض والدجاج.. وأخرى تبيح تعدّد الزوجات بلا حد والطلاق والمراجعة بلا حد، حسب شهوة الرجل، وتحدد الدية بعدد من البقر وتحرم رأس كل حيوان…كلها كانت شعائر اتبعها مغاربة الدولة البورغواطية لأكثر من أربع مائة سنة.
الدولة البرغواطية أو كما كانت تلقب ب”الإمبراطورية الأولى”، هي إمارة أمازيغية نشأت في القرون الوسطى على الساحل الأطلسي للمغرب، وضمت الإمارة إتحادا من مجموعة من قبائل مصمودة. بعد فشل التحالف مع مُتمردي الخوارج الصفريين في المغرب ضد العباسيين، استقرت في المنطقة بين آسفي و سلا، بين العامين 744 و 1058، ارتبط قيامها في تلك البقعة النائية بعقائدَ غريبة ومتطرّفة شدت اهتمام الباحثين والمؤرخين من مشارق الأرض ومغاربها وجعلت برغواطة مثار مناقشات عديدة، فمنهم من اعتبرها دولة خارجة عن تعاليم الإسلام إلى حد أن الكثيرين منهم وصموها بالهرطقة والوثنية، بينما تصدت فئة قليلة منهم للدفاع عنها وعن عقيدتها وعن نسبتها إلى الإسلام.
دين “غريب” اشتهرت به الدولة البرغواطية، فبعد اعتناق قبائل مصمودة الإسلام في بداية القرن الثامن وانتفاضة ميسرة (739 742)، حيث أقام أمازيغ بورغواطة دولتهم على الساحل الأطلسي بين آسفي وسلا، واتبعوا معتقدات دينية مستوحاة من الإسلام بتأثير من اليهودية، مع بعض العناصر الدينية السنية والشيعية من الخوارج، اختلطت مع الإسلام تقاليد وثنية ذات علاقة بالتنجيم. ويرجع بعض المؤرخين أن يكون لهم “قرآن أمازيغي” يضم 80 سورة, عملوا به تحت قيادة الحاكم الثاني من سلالة صالح بن طريف الذين شاركوا في انتفاضة ميسرة، ليعلن نفسه نبيا، ويعدي أنه المهدي المنتظر، وأنه سيُرافق عيسى في النبوة.
هذا وترى مؤرخون، أن الديانة البرغواطية، ظهرت في بادء الأمر كنوع من المقاومة الأمازيغية للعرب، حيث حاولت سن عقائد مضادة تجعلهم بشخصيتهم وهويتهم كما تصوروها، قبل أن تأتي الدولة المرابطية وتسقط كاين الدولة السياسي، دون أن تتمكن من القضاء على وميض برغواطة الذي ظل وأوشك في مرحلة أن يهز عصر الموحدين، إلى أن شاركوا في ثورة الماسي والصحراوي، غير أن تلك الحركة لم تكن سوى صحوة الموت، فقد تمكنت السلطات الموحدية من إخمادها سريعا.