الحرب في غزة تكشف نفاق المنظمات الدولية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان
يعيش قطاع غزة الفلسطيني، منذ خسمة أشهر، على وقع هجوم إسرائيلي قوي ومتواصل حول حياة المدنيين الغزيين إلى مأساة حقيقية وسط دمار شامل. وضع إنساني يوصف بـ”الكارثي” بات يعيشه الشعب الفلسطيني في غزة في انتظار مصير مجهول ووسط نداءات وتنديدات عدة دون أن يتغير الوضع.
كارثة إنسانية
وفي هذا السياق؛ أكد حسن بلوان، المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، في حديث لـ”برلمان.كوم”، أن “ما يقع في غزة من إبادة جماعية ممنهجة وتجويع وتشريد لملايين الأشخاص يعد كارثة إنسانية بامتياز”.
واعتبر بلوان أن الوضع في غزة “عرى حقيقة المجتمع الدولي والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وكذلك جميع منتديات حقوق الإنسان العالمية، خاصة منها الغربية”.
همجية غير مبررة
وأبرز الخبير: “سواء اتفقنا أم اختلفنا مع ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر؛ فهذا لا يبرر الهمجية المطلقة التي تعاملت بها إسرائيل مع القضية”. مضيفا أن “الخروقات الإسرائيلية وصلت إلى حد لا يطاق مع الحكومة الإسرائيلية الحالية المتطرفة التي بلغت مداها في إجراءاتها العقابية سواء في غزة أو في الضفة الغربية والقدس المحتلة”.
وشدد الخبير على أن “أي إنسان عاقل في العالم لا يمكن أن يبرر ما تقوم به القوات الإسرائيلية من حرب إبادة ترقى إلى جرائم الحرب، خاصة إذا استحضرنا القانون الدولي الإنساني، الذي يحث على تحييد المدنيين من دوائر الصراع أو عدم الانتقام من المدنيين، بالإضافة إلى التناسب في القوة”.
كما استحضر بلوان “أن القضية الفلسطينية هي قضية مشروعية وقضية حق وقضية احتلال يجب إنهاؤه والتفكير جليا في حل الدولتين، على اعتبار أنه الحل الواقعي أو الأمثل لحل قضية الصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي”.
حقيقة المنظمات الحقوقية
وفي ذات السياق؛ اعتبر الخبير في العلاقات الدولية “أن ما يجري الآن في غزة عرّى المنظمات الدولية وعرى واقع الرؤية المزدوجة لمنظمات حقوق الإنسان خاصة في الغرب”. مشيرا إلى أن “ما يقع في غزة ضرب في صميم الإنسانية التي يتشدق بها المسؤولون الغربيون، وأعتقد بأن وقوفهم إلى جانب إسرائيل في جرائمها المتعددة يعتبر مشاركة في جرائم إبادة تستوجب العقاب وتستوجب المسؤولية”.
وتابع: “مع الأسف جميع منظمات أو أجهزة مؤسسات الدول الغربية- خاصة على المستوى الأوروبي- تكيل بمكيالين”. مردفا: “من هنا نستحضر بأن مواقف الاتحاد الأوروبي، وخاصة البرلمان الأوروبي الذي يمثل الشعوب الأوروبية، كان سخيفا إن لم نقل كان متواطئا”.
وبرر بلوان ذلك بكون البرلمان الأوروبي “استعمل لغة حقوق الإنسان في تصفية حسابات سياسية مع دول، لكنه يصمت صمتا مطبقا تجاه ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، والتي تستهدف المدنيين وتحاول تهجيرهم تهجيرا قصريا حتى تعيد سيناريو النكبة التي وقعت في سنة 1948”.
صمت أوروبي ومعايير مزدوجة
وبناء على ما سبق؛ يرى حسن بلوان أن “صمت البرلمان الأوروبي يعري هذه المؤسسة التي تحمل مجموعة من التناقضات، أو يحمل أعضاؤها الذين يمثلون الشعوب الأوروبية مجموعة من التناقضات، خاصة إذا استحضرنا أن هذا الجهاز، أي البرلمان الأوروبي، حاول أن يبتز مجموعة من الدول بالتلويح بملفات حقوق الإنسان”.
وأعرب المتحدث، في حديثه دوما لـ”برلمان.كوم”، عن أسفه حيال “ازدواجية المعايير التي تقوم بها الدول الأوروبية والمؤسسات التابعة لها بدون استثناء، سواء التنفيذية والقضائية والحقوقية وكذلك التشريعية”. معربا: “أعتقد بأنها سياسة الكيل بمكيالين”.
وأشار الخبير مقارنا إلى “كيف تعاملت الدول الأوروبية أو الدول الغربية بصفة عامة مع ما يقع في الحرب الأوكرانية وكيف تعاملت مع الحرب الممنهجة التي تقوم بها إسرائيل داخل قطاع غزة أو داخل الأراضي الفلسطينية بصفة عامة”.
حضارة غربية
وسطر بلوان على ان “تخلي الغرب أو المسؤولين الغربيين عن إنسانيتهم تجاه ما يقع في غزة يفضح أيضا النوايا السيئة للحضارة الغربية التي تنبني على شعارات فضفاضة فيما يتعلق بالجنس الغربي لكن عندما يتعلق بدول الحنوب فإن جميع الأصوات التي تنادي بحقوق الإنسان تخفت إن لم تشجع المذبحة الكائنة في هذه الدول، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية”.
موضحا أن “تجرد الغرب من إنسانيته وازدواحية المعايير هما عاملان يشككان في الحضارة الغربية والقيم الغربية”. لافتا إلى “أن هناك بون وهوة تتسع بين الشعوب وبين الحضارات رغم الجهود التي تبذلها مجموعة من المؤسسات ومجموعة من الدول بما فيها المغرب من أجل تقريب الهوة بين الديانات والحضارات”.
دعم غربي
أعتقد بأن الحرب بقدر ما كانت مأساوية في غزة وكانت تكلفتها الإنسانية كبيرة جدا بقدر ما كشفت همجية الغرب عندما يتعلق الأمر بقضايا تهم العرب والمسلمين.
أعتقد أن هذه الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل وجدت غطاء غربيا وأمريكيا على الخصوص بتجاوز جميع الخطوط الحمراء من خلال القتل والإمعان في قتل المدنيين خاصة الأطفال والنساء بدون سابق إنذار، خاصة إذا استحضرنا الجرائم ضد الإنسانية التي استهدفت المستشفيات والمدنيين وقوافل الإغاثة وجميع البشر والشجر والحجر حتى غدا قطاع غزة في خراب.
صحوة الضمير الإنساني
ويتوقع حسن بلوان أن “هذه الحرب ستتلوها صحوة إنسانية وللضمير الإنساني، رغم أنها بدأت بأصوات خافتة إلا أنها تكتسح الميادين في جميع الدول الأوروبية وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم مطالبة بالوقف الهمجي للحرب الدائرة في غزة”.
ويعتقد الخبير أن “هذه الحرب سيكون لها ما بعدها، خاصة في محاسبة جميع المسؤولين الغربيين الذين وقفوا مع إسرائيل في إبادتها الجماعية ضد الشعب الفلسطيني سواء محاسبة للتاريخ أو محاسبة جنائية دولية”.
المملكة المغربية
وارتباطا بكل ذلك؛ أكد المحلل السياسي على أن “المملكة المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، يمكن أن تلعب دورا كبيرا على اعتبار أنها قضية ثانية بالنسبة للمغاربة”.
وأشاد بكون “المملكة المغربية فرضت- بواقعيتها ومكانتها الدولية- أن تدعن إسرائيل إلى إيصال مساعدات تكفل بها الملك محمد السادس عبر ممر بري هو الأول استخداما منذ اتدلاع الحرب”. مشيرا إلى أنه “ورغم وزن مجموعة من الدول الإقليمية لم تستطع أن تسير معبرا بريا أو مساعدات برية إلى المضطهين في غزة، لكن المملكة بمكانتها وحنكة الملك محمد السادس استطاعت أن تفرض شروطها لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة والقدس المحتلة”.
وأكد بلوان أن “المملكة بسياستها الواقعية والبراغماتية ربطت علاقات مع جميع الفرقاء الفلسطينيين من جهة، وكذلك مع إسرائيل، ما سهل للمملكة أن تلعب أدوارا أخرى في حل القضية الفلسطينية.”.
وخلص إلى أن “مواقف المملكة المغربية داعمة بشكل لا مواربة فيه للقضية الفلسطينية على اعتبار أنها قضية ثانية بعد قضية الصحراء المغربية، إن لم نقل بأنهما تشكلان قضيتان متوازيتان في الأجندة الخارجية للدبلوماسية المغربية”.