== الواضح أن ضرورة إعادة تأطير العمل الحكومي أصبحت ملحة. وتتجاوز التدبير التقني والمعتاد، إلى مقاربة تستبق التحديات التي يطرحها انتقال البلاد إلى مواجهة معادلات صعبة وذات أبعاد إقليمية وقارية، إضافة إلى المهام التي طرحتها المشاريع الملكية الاستراتيجية والتي لم تعد تقبل بالتدبير الروتيني أو بإطفاء الحرائق عند اشتعالها في القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والتشغيل، أو بالترقيع مثل معضلة الماء والاستثمارات…
==
توشك الحكومة بصيغتها الأولى أن تستكمل سنتها الثالثة في تدبير الشأن العام. (أكتوبر 2021 وأكتوبر 4202) ولم يجد رئيس الحكومة عزيز أخنوش بعدُ، ضرورةً لاستعجال تعديل حكومي صار موعدا تحترمه كل الحكومات منذ أن دشنه الوزير الأول الراحل عبد الرحمان اليوسفي، وجعله سُنَّة حكومية في منتصف الولاية ( سنة 0002) وسار على نهجه خلفه ادريس جطو، ثم عباس الفاسي ثم عبد الإله بنكيران وبعده سعد الدين العثماني.
بالرغم من أن الحديث مضطرد عن هذا التعديل، بل إنها المرة الأولى منذ مجيء العهد الجديد الذي وضع بلاغ للديوان الملكي هذا التعديل ضمن الانتظارات السياسية للحكومة، فإن أخنوش يبدو مكتفيا بالوضعية الغالية للحكومة بدون أن يشغل بالَهُ باستكمال المهمة التي تم تكليفه بها في بلاغ الديوان الملكي الصادر يوم 7 اكتوبر 2021 ، وذلك عقب استقبال الملك للحكومة بالقصر الملكي في فاس. وقد ورد في بلاغ الديوان الملكي بهذه المناسبة مامفاده أنه “سيتم لاحقا تعيين كتاب دولة في بعض القطاعات الوزارية». ومنذ تلك اللحظة والترقُّب سيد الموقف.
كان أمام رئيس الحكومة أكثر من سيناريو لهذا التعديل..
أولها: كان من الممكن أن يتم تعيين كتاب الدولة قبل الموعد التقليدي للتعديل،
ثانيها: أن يمس التعديل الشامل حقائب وزارية غير معنية بكتاب الدولة،
ثالثها: أن يكون التعديل بكتاب الدولة والوزراء (مزدوجا) هو نفسه صلب التعديل المتعارف عليه…
لكن لا شيء من ذلك حصل، وما زالت الفكرة تراوح نفسها بالرغم من الحديث الذي صار مرتبطا بها في كل دخول سياسي.
قراءة الوضع، لا تتم فقط من زاوية من يذهب ومن يبقى، بناء على تنقيط سياسي وتدبير محكم للوزراء الحاليين، بل أيضا يجب أن يتم على قاعدة المعنى السياسي للتعديل. كما يفرض نفسه من خلال الأولويات التي طرأت في الفترة المنصرمة من هاته الولاية ..
وفي انتظار رأي رئيس الحكومة، تبدو المعارضة من جهتها معنية بقضية الأغلبية الحكومية. حيث تغيرت فكرة المطالبة بالتعديل الحكومي نفسها وانتقلت من تعديل في لائحة الوزراء أو الوزراء المنتدبين إلى الطبيعة السياسية لهذا التعديل.
والملاحظ في الأسبوع الذي ودعناه هو عودة الحديث عن ذلك من طرف… المعارضة! فقد عاد حزب التقدم والاشتراكية إلى الحديث عن طبيعة هذا التعديل المرتقب، من خلال بلاغ صادر عن اجتماع لمكتبه السياسي رفع فيه سقف المطلب، ليصبح تعديلا يتجاوز الأشخاص إلى الأدوار السياسية المنتظرة من الجهاز التنفيذي. واعتبر حزب نبيل بن عبد الله أن المغرب مطالب بمراجعة المسار الحكومي، حيث أنه «محتاج ليس فقط إلى مجرد تعديل حكومي، بل إلى تغييرٍ عميق في التوجهات والمقاربات والسياسات الحكومية، من خلال حكومة «قادرة سياسيا على تحرير الطاقات، كما يدعو إلى ذلك النموذج التنموي الجديد».
وبنى التقدم والاشتراكية عرضه السياسي حول تغيير عميق في مقاربة تركيبة الحكومة على العديد من المقدمات منها «عجزٍ حكومي على مواجهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية»، إصرار الحكومة من خلال «الورقة التأطيرية لإعداد قانون المالية المقبل على نفس النهج»، علاوة على «عدم إكتراث الحكومة بقضايا الديمقراطية والحريات والمساواة وحقوق الإنسان لأجل إحداث مناخ سياسي إيجابي»، وهي محاولة ولا شك في تسجيل العجز الحكومة في التقاط الرسائل الملكية من خلال قرارات العفو الأخيرة..
وفي السياق السياسي نفسه، دعا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على لسان كاتبه الأول ادريس لشكر، إلى تعديل أعمق «من تغيير زيد بعمرو». وقد جاء ذلك في نهاية الأسبوع الذي ودعناه عند إطلاقه الحملة الانتخابية الجزئية التي ستعرفها الرباط حول الدائرة البرلمانية.
وجاء في كلمة ادريس لشكر أن « التعديل الحكومي الذي يجري الحديث عنه، لا يهمنا أن يغير هذا أو ذاك من الوزراء بقدر ما يهمنا أثره السياسي والاجتماعي على المواطنين».
وفسر الكاتب الأول لحزب الوردة معنى ذلك بالقول إن المنتظر هو «الجواب السياسي في مواجهة القضايا المصيرية والمشاريع المهيكلة التي تقبل عليها البلاد خلال السنوات المقبلة والتي لها أدوار حاسمة في مجال التقدم والتنمية الشاملة للبلاد »..
ولحد الساعة، ما زال حزب الحركة الشعبية، على موقفه الذي أعلنه في أبريل الماضي، من كون« التعديل الحكومي لا يعنيه»، بل ذهب أمينه العام محمد أوزين إلى اعتبار أن «الانتخابات المقبلة هي الموعد الذي سيعطي فيه الناخبون رأيهم في الحكومة الحالية». في حين التزم العدالة والتنمية الصمت، منذ آخر مرة دعا فيها عبد الإله بنكيران إلى «انتخابات سابقة لأوانها»، ولم يتجاوب معه أحد.
والواضح أن ضرورة إعادة تأطير العمل الحكومي أصبحت ملحة. وتتجاوز التدبير التقني والمعتاد، إلى مقاربة تستبق التحديات التي يطرحها انتقال البلاد إلى مواجهة معادلات صعبة وذات أبعاد إقليمية وقارية، إضافة إلى المهام التي طرحتها المشاريع الملكية الاستراتيجية والتي لم تعد تقبل بالتدبير الروتيني أو بإطفاء الحرائق عند اشتعالها في القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والتشغيل…