البرلمان الرواندي ..درس إفريقي نادر للنساء الغربيات في المساواة والديمقراطية
أصبحت للمرأة في رواندا مكانة متفردة في العالم أجمع بعد أن تمكنت في الانتخابات التشريعية الأخيرة من الفوز ب 64% من المقاعد، أي ما يقارب ثلثي الأعضاء وذلك إثر الإصلاحات التي تلت المذابح الجماعية التي شهدتها البلاد سنة 1994 حيث اغتصبت خلالها نحو 500 ألف امرأة، وفقدت أكثر من 400 ألف أخريات أزواجهن وفقا لأرقام الأمم المتحدة.
وحققت المرأة الرواندية هذه المكانة المتميزة عالميا بعد نضال وتعبئة قويين طيلة عقدين كاملين تمكنت خلالهما من فرض نفسها رقما صعبا في المعادلة السياسية للبلاد وفاعلا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما جعلها تحصد51 من بين 80 مقعدا في البرلمان.
ويؤكد الاتحاد البرلماني الدولي في تقريره للعام الجاري (2015)، أن النسبة التي تمكنت النساء الروانديات من تحقيقها في المقاربة البرلمانية تعتبر فريدة من نوعها في العالم، بل إنها فاقت أكثر توقعات الولايات المتحدة الأميركية تفاؤلا، وذلك حين أوصت الأخيرة بتحديد حد أدنى للحضور النسائي في البرلمان لا ينزل عن سقف 30%.
وقد جاء هذا التقدم الذي شمل إلى جانب المجال السياسي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، خلال أحلك الفترات التي شهدتها رواندا وهي الإبادة الجماعية لسنة 1994 التي تشكل أبشع مأساة هزت البلاد من أقصاه إلى أقصاه. ولم تطح هذه الأحداث ببذور الأمل في الحصول على وضع أفضل بالنسبة للمرأة الرواندية التي تمكنت من تجاوز مخلفات هذه الصفحة القاتمة من تاريخها المعاصر، وخلقت من ضعفها قوة اكتسحت بها الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.
وفي أعقاب الإبادة الجماعية التي خلفت أكثر من مليون قتيل، وقعت مراجعة العديد من السياسات لصالح المرأة، ومكنت الإصلاحات الحكومية من تحريرها على جميع المستويات، بل إن الدستور الرواندي لعام 2003 أقر المساواة بين الجنسين بشكل كامل.
وإضافة إلى إقرار تمثيلية المرأة الرواندية في جميع هيئات صنع القرار بنسبة تفوق 30%، نص القانون الرواندي على أنه للنساء الحق في الميراث بجميع أشكاله.
وفي الحكومة الرواندية الحالية، أسندت بعض الحقائب الوزارية الهامة إلى نساء على قدر كبير من الكفاءة والخبرة من بينهن لويز موشيكيوابو، التي تتولى حقيبة وزارة الخارجية منذ سنة 2009.
وبهذا الإنجاز الفريد من نوعه عالميا، تكون المرأة الرواندية قد لقنت درسا فريدا للنساء الغربيات في مجال الديمقراطية والمساواة حيث واقع حقوق المرأة في أوربا هو بحاجة إلى أكثر من مراجعة. فالاختراقات التشريعية والدستورية التي تحققت حتى اليوم في فرنسا على سبيل المثال، بعد نضال عمره نصف قرن أو يزيد، لم ترق لمستوى تطلعات المرأة في العيش بكيفية متساوية في الحقوق السياسية والاجتماعية مع الرجل.
وبالعودة إلى الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، لم يكن مدهشا في شيء أن يضفي جميع المرشحين طابعا نسويا على حملاتهم. فما من مرشح إلا وتباكى على حقوق المرأة الضائعة في السياسة والاقتصاد والشغل. وجميعهم وعدوا بالتغيير من أجل مكاسب متزايدة فى التمثيل الحكومي والبرلماني وعلى مستوى الوظائف العليا.
وقد تصاعدت حمى المنافسة لكسب أصوات النساء اللواتي يشكلن 52،5 % من النسيج السكاني الفرنسي، بين يمين يعتبر المرأة أقوى قاعدة لبناء المجتمع وتغييره وتحصينه، ويسار يعارض بقوة إبعاد المرأة عن ساحة الفعل اليومي السياسي والاقتصادي، نظرا لأهميتها في تفعيل المجتمع وتزويده بقيم متطورة تؤمن بالتغيير والمعاصرة، ووسط يؤمن بقدرة المرأة على المبادرة والفعل، وبمكانتها كشريكة فاعلة ومؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية، ويمين متطرف يتساءل بشيء من الحسرة الانتخابية :”هل يليق بفرنسا تعميق وتكريس صورة المرأة الجسد، بدل المرأة التخيل والإدراك والابتكار والمسئولية..؟ وهل يليق بفرنسا أن يرسخ الخطاب السياسي في أذهان الفرنسيين فقط الصورة التقليدية للمرأة كأم وربة بيت وجسد؟.
غير أن النساء وهن يتابعن بحسرة الحملة الانتخابية، كن يدركن في معظمهن، أن المرشحين هم في حالة “تسول انتخابي” يبعث على الشفقة. فبعد مرور ستين سنة من الكفاح، لم ينزل ترتيب فرنسا في التصنيف الدولي الخاص بالتمثيل النسوي فى البرلمان، عن المرتبة الثالثة والسبعين عالميا. ومع حلول القرن الواحد والعشرين، لم تشكل النساء أكثر من 5،9 % من أعضاء مجلس الشيوخ و22،5 % من أعضاء المجالس المحلية، و7،6 % فقط من رؤساء المحافظات.