بعد استرجاعها سنة 1975 وعودتها إلى حظيرة الوطن وفور إنتهاء معركة التحرير كانت الصحراء على موعد مع معركة من نوع آخر، ألا وهي معركة النماء والتشييد، حيث قامت الحكومات المغربية المتعاقبة بمجهودات استثمارية جبارة وأنشأت لذلك وزارة مختصة بالشؤون الصحراوية ستعد برأي كثيرين المرحلة الأولى من مسيرة التنمية التي باشرها المغرب بالأقاليم الجنوبية، وقد استطاعت هذه الوزارة بفضل الدعم والثقة المولوية للراحل الحسن الثاني من وضع النواة الأولى للإدارة وتنظيمها وخلق المرافق العمومية وإرساء بنية تحتية من طرق وموانئ بطنطان والعيون وبوجدور والداخلة بالإضافة إلى العديد من المشاريع السكنية لإيواء الساكنة الحديثة العهد بالتمدن وعالم المدينة.
وهكذا ومع بداية العهد الجديد وإعتلاء الملك محمد السادس لعرش أجداده العلويين سيقوم بزايارت لأقاليم المنطقة حتى يسمع عن قرب لإنتظارات الصحراويين وينظر لمتطلباتهم، وهو ما تكلل بالإعلان في مارس 2002 عن مرحلة تنموية ثانية ستعرفها الصحراء وذلك بإحداث وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية تحت سلطة الوزير الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي والتي تم تعيين والي العيون حينها إدريس الكراوي مديرا لها، حيث قامت الوكالة بأيام تواصلية مع كافة السلطات والمنتخبين والمجتمع المدني بغية التوصل إلى بلورة مخطط عمل بما يقارب 7,65 مليار درهم، والذي جاء بموجة ثانية من المشاريع الكبرى تمثلت في التهيئة الحضرية لمدن الصحراء من كهرباء وترصيف وتبليط ومرافق عمومية ومساحات خضراء وساحات كبرى وملاعب رياضية ودور للشباب بالإضافة لتنمية الرعي وتربية الإبل وإنشاء سدود تلية وتثمين نقط الماء، كما عملت على إنشاء قرى للصيادين وتشجيع الصيد الساحلي التقليدي وتثمين المنتجات البحرية.
وفي خضم ذلك وبعد إحداث الكوركاس 2006 بالموازة مع إقرار مخطط الحكم الذاتي كحل سياسي نهائي وعادل لنزاع الصحراء، عمل هذا المجلس على إصدار مجموعة من التوصيات في دوراته الأولى والتي تمحورت حول الإسكان والمياه والصحة، ما دفع بوزارة الإسكان بشراكة مع وكالة الجنوب إلى وضع برنامج كبير للإسكان بالأقاليم الجنوبية بما يقارب 40 مليار درهم، وقد تم في إطاره إحداث العديد من التجزئات السكنية بالعيون وبرامج للقضاء على السكن الغير لائق بكل من بوجدور والسمارة والداخلة، وقد توالت المشاريع لتغطي البنيات التحتية بإنشاء طريق مزدوج (العيون-المرسى) وميناء بوجدور وتأهيل بنيات الإستقبال بمطارات العيون والداخلة، كما كان للأقاليم الجنوبية أيضا نصيب من برامج الإقتصاد الإجتماعي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بشراكة مع كافة الفاعلين المحليين والوطنيين من وكالة التنمية الإجتماعية ثم وكالة الجنوب والتعاون الوطني والقطاعات الوزارية الأخرى والمؤسسات العمومية كالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والتكوين المهني ناهيك عن المجهود الإستثماري الجبار الذي قام به المكتب الشريف للفوسفاط عن طريق مؤسسة فوس بوكراع.
وفي نفس السياق ومع توالي السنين وبحكم الظروف الدولية والإقليمية فقد كان لزاما على الدولة إعادة النظر من جديد للتنمية بالصحراء والقيام بمراجعة شاملة للمسار التنموي الذي عرفته منذ استرجعاعها وهو ماتم فعلا من خلال الورقة التأطيرية للنموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية والتي قدمها شكيب بنموسى رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي بين يدي الملك بمدينة أكادير في 03 يناير2013 حيث وقفت الورقة على مجموعة من الإختلالات والتجاوزات كانت تحول دون الإقلاع الإقتصادي للصحراء كما قدمت مجموعة من التحليلات للواقع الصحراوي وقامت بمراجعة جذرية لمساره التنموي مما تبلور عنه النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي سيرى النور في فبراير 2016 حيث ستعرف الصحراء موجة تنموية ثالثة هي الأقوى في تاريخها والمقدرة ب 77 مليار درهم وذلك أثناء الزيارة الملكية لمدينة العيون بمناسبة الذكرى الأربعون للمسيرة الخضراء المظفرة، إذ تم إطلاق بموجبها عددا كبيرا من الأوراش التنموية موزعة على الجهات الجنوبية الثلاث، كإنشاء الطريق السريع تيزنيت الداخلة، وتقوية البنيات التحتية بقطاع الصحة، وتشجيع الفلاحة بإنشاء مشروع كبير بجماعة الجريفية ببوجدور، وتثمين الطاقة الشمسية بإنشاء محطة حرارية بجماعة الدشيرة، وبناء ميناء كبير بمدينة الداخلة على شاكلة ميناء طنجة، وتكنوبول جماعة فم الواد إلى غيرها من المشاريع التنموية و الأوراش الكبرى التي سيكون لها وقع مباشر على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لساكنة الصحراء والتي أنشأت الدولة لها لجنة قيادة برئاسة وزير الداخلية للتبع وإنجاز المشاريع الملكية بالصحراء حيث تعقد هذه اللجنة إجتماعات ولقاءات دورية كان أخرها إجتماع العيون الذي عقد بمقر ولاية العيون الثلاثاء المنصرم
