أدت الحادثة المأساوية لاغتصاب فتاة مختلة عقليا داخل حافلة عمومية بمدينة الدار البيضاء، والتي نشر فيديو قديم بشأنها يظهر حجم الهمجية التي مارسها مجموعة مراهقين، على تلك الفتاة، خصوصا وأنها وقعت في واضحة النهار وأمام أنظار سائق الحافلة وركابها، إلى دق ناقوس الخطر.
فحجم الهمجهية الممارسة من طرف ثلة من المراهقين على فتاة تبلغ من العمر 24 عاما وتعاني إعاقة ذهنية، مع التباهي بأفعالهم واعتبارها “دليلا” على النضج، طرح عدة تساؤلات حول مصير المجتمع المغربي وما بات يعانيه جراء انحدار القيم التربوية والتعليمية التي بات يتلقنها أطفال المغرب ويتناقلونها بينهم، في ظل غياب شبه تام لدور المدرسة والعائلة في تصويب أخطاء المراهقين وامتصاصها بآليات وأساليب فعالة.
كما أنه من الغريب فعلا أن يصبح الاعتداء على الناس في واضحة النهار وبأساليب مقززة، أمرا عاديا مطبّعا معه لحدود أن ينأى الشخص بنفسه عن التدخل أو حتى إبلاغ عناصر الأمن، للتدخل والحيلولة دون وقوع كوارث مثل هذه، والمبرر كونه لا يامن نفسه من انتقام ذلك الشخص الذي سيبلغ عنه.
من جانب آخر وكما كان مفاجئا، طرح عديدون تساؤلات بخصوص تقاعس سائق الحافلة وركابها، عن التدخل للحيلولة دون سحل واغتصاب الفتاة مع إصرار السائق على إكمال القيادة وعدم الالتفات لما يحدث داخل حافلته، وعدم تنقله بالحافلة لإحدى مديريات الأمن أو أحد الأماكن العامة للسماح بتدخل بعض المواطنين لإيقاف الاعتداء، ومدى تحقيق الحماية للمواطنين داخل الحافلات العمومية التي تعتبر أماكن يجب ضبط أمنها لصالح السائق أولا، وثانيا من خلال توفير كاميرات مراقبة -الظاهر أنها توجد ولا تشتغل- على الأقل لتوفير نسخة مصورة لعناصر الأمن من أي حادثة وقعت قبل تفشي فيديوهات مسربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أمر آخر يبقى محيرا وهو ذلك المتعلق بتفاعل المجتمع مع ما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ باتت الموضة المنتشرة اليوم تتلخص في كون الجميع يدعو الأمن للتحرك بسرعة فائقة وبأداء فعال فقط إذا ما تم تناقل فيديو ما، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإلا فإن جرائم مثل هذه ستبقى مقبورة إلى الأبد دون أن يتحدث عنها أحد، مخلفة آثارا سلبية في نفوس ضحاياها كما حدث مع حادثة إيمان، المغتصبة من طرف ثلة وحوش المراهقين، والتي أكد حولها عدد من أصدقاء المتورطين أن الحادثة حدثت قبل حوالي ثلاثة أشهر والكل كان يعرف بحدوثها، لكن لا أحد تحرك للتبليغ أو الاستنكار.
كل هذه تساؤلات طبيعية ناتجة عن الصدمة القوية التي رافقت انتشار الفيديو الفضيحة، لكن إلى متى سيستمر كل هذا الاستهتار بأخلاق المجتمع المغربي؟ وهل سنجد يوما ما أنفسنا جميعا أمام سؤال المسؤولية للحفاظ على مجتمعنا من التمزق وانتشار مثل هذه الوقائع التي كانت إلى أمس قريب غريبة على مجتمعنا واخلاقنا المشتركة.