تعيش جل المدارس والثانويات منذ مدة على وقع فترة الامتحانات الصيفية، بما لها وما عليها من صعوبات وإكراهات، يبدأ تأثيرها على التلاميذ والطلبة مرورا بالآباء وختاما بالأطر الإدارية والتربوية، وهي المرحلة التي شهدت بالإضافة للضغط والتوتر مؤخرا، حالات شاذة عن المجتمع المغربي تمثلت في بعض السلوكات الفوضوية داخل عدد من المؤسسات بسبب إشكالية الغش في الامتحانات، التي بات التطبيع معها داخل الفضاءات التعليمية من طرف التلاميذ سيد الموقف بلا منازع.
حالات عنف دموي متبادل بين الأساتذة والتلاميذ، تلتها أيضا حالات انتحار وضغط نفسي، سجلت خلال أيام قليلة من انطلاق الامتحانات، لتعيد التساؤل من جديد حول واقع التعليم بالمغرب، وجدوى البرامج الحكومية والمبادرات التي تتابع وتتوالى في محاولة بئيسة لإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية، دون نتائج تذكر، لتجد الأسرة وبعدها الإدارة التعليمية بالمغرب، أنفسها أمام مستقبل مجهول للفضاء التعليمي بالمغرب.
الدكتور نبيل علمي، استشاري الصحة النفسية، يرى في تصريحات خص بها “برلمان.كوم” بأن “محاولة بعض التلاميذ اليوم الدفاع عن حقهم في الغش في الامتحان، لدرجة تصل حد ممارسة العنف اتجاه الأساتذة والمؤسسات واختيار الانتحار أحيانا كأسلوب احتجاج على منعهم من الغش، مسألة تتعلق في الأساس بقيم ومبادئ التنشئة، إذ أن الطفل منذ نشأته يتعرض لمواقف متناقضة مع المبادئ والقيم الحقيقية، تؤثر في بنيته المنطقية، ففي الوقت الذي يحثه أبواه على الصدق يفاجأ بكذب أحدهما أو كليهما ناهيك عن باقي الممارسات المخالفة، وهذا أول ضرب يتلقاه الطفل في قدوته الأولى المتجسدة في الأبوين”.
ويوضح الاستشاري الأسري أنه “وبعد تحطم قدوة الوالدين لدى الطفل، يأتي دور المدرسة والمدرس، الذي قد يكون مساعدا للطفل في التطبيع مع الغش في الامتحان، بأسباب عديدة منها ما يقدم على فعله بعض الأساتذة من إجبار للتلاميذ على الانخراط في الدروس الخصوصية، وهنا يحدث تحطيم آخر لقدوة أخرى وهي الأستاذ الذي يكون متربعا في نظر التلميذ على عرش المعرفة”.
ويشرح الدكتور علمي، الاستشاري بالمركز المغربي للدعم النفسي والمصاحبة الاجتماعية بأكادير، أنه و”إضافة إلى الفكرة التي يتشبع بها الطفل منذ صغره، حول الدراسة وكونها وجدت فقط لأجل العمل وضمان مكانة في المجتمع، وعوامل أخرى، نجد أنفسنا أمام أفراد يؤمنون بمبادئ معكوسة، منها مثلا اعتبار الغش في الإمتحان حقا مكتسبا، يواجه به الأستاذ في حالة منعه، تمام كما لو منعه من إحدى حقوقه، وذلك من منطلق أن الطبيعي لدى الإنسان هو الدفاع عما يراه من حقه”.
وحول لجوء بعض التلاميذ مؤخرا لحالات انتحار بسبب منعهم من الغش يعلق الدكتور علمي قائلا “السبب وراء ذلك يعود بالأساس للمكانة التي باتت تعطى للامتحان، كونه الفاصل الوحيد والأوحد بين النجاح والفشل، وعدم إقناع التلميذ والطالب بأن النجاح الحقيقي هو النجاح في الحياة، إذ لا تكفي الشهادة العليا لتحقق النجاح، والدليل على ذلك أن كثيرا ممن حصلوا على شهادات عليا لم يستطيعوا تحقيق النجاح في الحياة، من منطلق الحصول على الشهادة وفقط”.
ويضيف الأخصائي في الإرشاد النفسي “الجميع اليوم أمام مسؤولية كبيرة تبتدئ بالأساس من ضرورة تغيير نظرة الأولياء للامتحان والدراسة بشكل عام، وذلك بهدف تقليل ضغطهم وانتظاراتهم اتجاه أبنائهم، ومن ثم إعادة الإعتبار للشباب واقتناعهم بأن قيمتهم ومكانتهم لا تقاس بالشهادات المحصل عليها، وإنما بالقدرة على تحقيق الذات من خلال الكفاءات التي لا تبنى على أساس من الغش”.