إعلان سقوط حكومة أخنوش على لسان المنصوري وبركة
في المشهد السياسي، هناك لحظات تُصاغ فيها التحولات الكبرى بصمت مدوٍّ، حيث لا تُعلن نهايات المراحل عبر السقوط العلني، بل تُرسم بالخناجر المغمورة في ظلال التحالفات. اليوم، تقف حكومة عزيز أخنوش على مفترق طرق، محاصرةً بين طموحات شركائها الذين باتوا يعيدون إعادة تموضعهم السياسي، تمهيدًا لمرحلة جديدة تُكتب ملامحها بوضوح متزايد.
في مراكش، يوم الجمعة 17 يناير 2025، أطلقت فاطمة الزهراء المنصوري، المنسقة الوطنية لحزب الأصالة والمعاصرة، خلال لقاء حزبي، تصريحات حملت أبعادًا سياسية عميقة، معلنة أن الأجواء الانتخابية قد انطلقت بالفعل، مشددة على أن حزبها لا يسعى لمجرد المشاركة الشكلية في المشهد السياسي، بل يطمح إلى تصدره وقيادة الحكومة المقبلة.
وأوضحت المنصوري أن الطموح الأساسي لحزبها يتمثل في تحقيق هدفين رئيسيين: قيادة الحكومة المقبلة وتنزيل ما أسمته بـ”المشروع السياسي الهائل” الذي يقدمه حزب الأصالة والمعاصرة، مؤكدة أن التنظيم الحزبي يفتح المجال للاستماع إلى الانتقادات البناءة التي يمكن أن تُسهم في تحسين أدائه وتصحيح المسار، تعزيزًا لما وصفته بـ”تعاقد الثقة” مع المواطنين.
على الجانب الآخر، وفي خطوة لا تخلو من حسابات انتخابية واضحة، اختار نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، مساء الخميس 18 يناير 2025، أن يُطلق تصريحاته السياسية من دائرته الانتخابية بالعرائش، معلنًا عن رؤية حزبه لتصدر المشهد السياسي في انتخابات 2026. ومشددا على أن “حزب الميزان” مصمم على العودة لقيادة الحكومة المقبلة، مستغلًا موقعه في التحالف الحكومي لتسويق هذه الرسالة السياسية، التي تعكس طموح الحزب للعب دور مركزي في المرحلة القادمة.
بركة، الذي جمع في خطابه بين دوره كزعيم حزبي ووزير للتجهيز والماء، ركز على إبراز حجم الإنجازات الحكومية، مستعرضًا أرقامًا مثل رفع حجم الاستثمار العمومي إلى 340 مليار درهم، واصفًا ذلك بـ”الإنجاز غير المسبوق”. وحرص على تقديم هذه الإنجازات كدليل على قدرة حزبه الفاعل في تحقيق تقدم ملموس داخل الحكومة، مستغلًا هذا الطرح لتعزيز صورة حزب الاستقلال كقوة سياسية مستعدة لتولي زمام القيادة. ومن خلال خطابه، بدا واضحًا أنه يسعى لترسيخ مكانة حزبه كمرشح طبيعي لرئاسة الحكومة، عاكسًا رؤية متوازنة بين تثمين ما تحقق والدعوة لتعزيز التنسيق داخل التحالف لضمان تحقيق الأهداف الكبرى بكفاءة تحت قيادة جديدة.
التصريحات المتزامنة لفاطمة الزهراء المنصوري ونزار بركة تأتي في توقيت يعكس إرهاصات تحول سياسي عميق داخل التحالف الحكومي، حيث أن المنصوري، بخطابها الذي يُركز على الانتخابات وقيادة الحكومة، وبركة، الذي يمزج بين استعراض إنجازاته الوزارية وإطلاق الوعود السياسية، يبدوان وكأنهما في سباق مبكر نحو إعادة رسم خارطة التحالفات السياسية، غير مكترثين لتأثير ذلك على استقرار الحكومة الحالية. فكلاهما يوحي بأن حكومة عزيز أخنوش أصبحت عبئًا سياسيًا، وأن التحالف الذي كان من المفترض أن يكون أداة للإصلاح والتنمية أصبح ساحة للتنافس على كرسي رئاسة الحكومة.
هذه التحركات تكشف عن تفكك داخلي يتصاعد داخل التحالف الحكومي، حيث إن نزار بركة، بخطابه الانتقادي المحسوب، وفاطمة الزهراء المنصوري، بتصريحاتها الجريئة، يجعلان من حكومة أخنوش هدفًا مباشرا لنقد مزدوج: الأول حول فشلها في تنزيل وعودها الكبرى، والثاني حول غياب الانسجام الداخلي الذي يُضعف فعاليتها ويجعلها أقرب إلى مرحلة الانهيار السياسي.
وفي الشارع، المواطن المغربي الذي يئن تحت وطأة الغلاء والبطالة، يُدرك أن هذا التنافس داخل التحالف الحكومي لا يعبر عن صراع سياسات لصالحه، بل عن معركة “نفوذ سياسي” بين أطراف تسعى لتأمين مواقعها المستقبلية، مما يعمق الهوة بين الحكومة وما تعتبرهُ “شرعيتها الشعبية”، حيث أن عزيز أخنوش، الذي دخل الساحة السياسية محمَّلًا بوعود وشعارات الكفاءة والإنجاز، يجد نفسه الآن في مواجهة انتقادات لا تأتي من المعارضة فحسب، بل من داخل البيت الحكومي.
فمنذ تشكيل حكومة أخنوش، كان الحديث عن “تحالف متين” و”رؤية موحدة”، لكن الواقع أثبت عكس ذلك. التحالف الذي شُكل على أساس توافقات مرحلية بات يواجه تصدعات عميقة مع تصاعد الاحتقان الاجتماعي والسياسي. التوترات التي ظهرت في بدايات الحكومة بين الأحزاب الشريكة، كانت تنذر بمشهد مثل هذا، حيث بدأت الأحزاب داخل التحالف تعيد اصطفافها استعدادًا لمعركة انتخابات 2026، في خطوات تؤكد تفكك العقد السياسي الذي كان يربطها بالحكومة.
وفي ظل هذا المشهد المضطرب، يظهر أن عزيز أخنوش بدأ يفقد تدريجياً السيطرة على تحالفه الحكومي، الذي كان يُروج له كعنوان للاستقرار السياسي والاجتماعي. اليوم، تواجه الحكومة معارضة داخلية أقوى من المعارضة البرلمانية، حيث يتعامل شركاؤها معها كغريم سياسي وليس كحليف استراتيجي. كل ذلك يضع مستقبل الحكومة على المحك، حيث يبدو أن أخنوش لم يعد قادرًا على إقناع المواطن ولا شركاءه بأنه رجل المرحلة. العد التنازلي قد بدأ بالفعل، وحكومة أخنوش قد تصبح درسًا في كيف تتحول الشعارات السياسية إلى أزمات كبرى تهدد بانهيار التحالف الحكومي وتُعجل بنهاية سياسية غير متوقعة.