إن المبادرة في إحداث المرصد المغربي لمحاربة التشهير والابتزاز بالرباط، تتجلى في حماية الأفراد داخل المجتمع، ليس بمعناه الضيق المرتبط بالحياة الشخصية للأفراد وحماية المعطيات السرية الخاصة بهم، بل يتجلى في توفير الحماية في مختلف مجالات الحياة بما فيها المجال الاقتصادي.
بحيث يعتبر التأثير الناجم عن جريمة التشهير والابتزاز الذي يطال الأفراد داخل المجتمع يؤثر بشكل كبير على الميدان الاقتصادي، بحكم أن فكرة التشهير والابتزاز تقوم على تهديد الضحايا بالكشف عن بياناتهم السرية أو المعلومات السرية الخاصة بهم. وبعدها يتم استغلال هذه المعطيات من قبل مجرمي التشهير والابتزاز من أجل إلحاق الضرر بالضحايا أو بذويهم أو بمقرات عملهم أو مؤسساتهم أو شركاتهم، وهو الأمر الذي يؤثر بالسلب على حياة الأشخاص ، وكذلك على النمو الاقتصادي داخل المجتمع.
وكما نعلم، بأن جريمة التشهير والابتزاز من الجرائم المنتشرة في العصر الحديث والتي تشكل تهديدا واضحا على مختلف القطاعات، من أبرزها القطاع الاقتصادي لدى الدول.
وتجدر الإشارة، إلى أن التعرض للتشهير والابتزاز يشكل خطورة لمختلف الفئات داخل المجتمع سواء الأطفال أو الشباب أو النساء، ويمكن كذلك أن يؤثر على الاقتصاد داخل الدولة، حيث يتجه مجرمي التشهير والابتزاز إلى اتباع مثل هذه الجريمة من أجل تلبية أغراضهم وتحقيق أهدافهم الذاتية غير القانونية وغير المشروعة.
وبالنظر لما تقوم عليه الجريمة من الإمساك بالمعلومات والمحتويات السرية للأشخاص والمؤسسات واستخدامها في الحصول على المبالغ المالية في أغلب الأحيان، فإنها تتسبب في إحداث آثار سلبية على الاقتصاد بصفة عامة.
وهو المعطى الذي دفعنا إلى تناول الموضوع، من أجل الإشارة إلى مدى أهمية إحداث المرصد المغربي لمحاربة التشهير والابتزاز، في حماية حياة الأفراد واقتصاد المجتمعات وفق مقاربة عملية تسعى إلى بيان أهمية التبليغ عن هذه الجرائم من طرف الضحايا لدى السلطات المختصة، وخلق المواكبة لهم من طرف أعضاء المرصد المغربي لمحاربة التشهير والابتزاز سواء من حيث إبراز الإجراءات الواجب التقيد بها أمام السلطات المختصة، وأيضا من الجانب المتعلق بالمواكبة النفسية للضحايا.
وتبعا لذلك، تقوم جريمة التشهير والابتزاز على المس بسمعة الأشخاص ومعطياتهم الشخصية السرية، وهي بذلك تشمل مختلف الأفراد داخل المجتمع باختلاف صفاتهم، وهو الأمر الذي يؤثر بالسلب على الاقتصاد الوطني.
وفي هذا السياق، تتضمن جريمة التشهير والابتزاز عدة مستويات مختلفة، غير أن هدفها واحد يندرج في تحقيق أهداف غير مشروعة لصالح مجرمي التشهير والابتزاز.
ووفقا لهذا المعطى، تشمل جريمة التشهير والابتزاز أصحاب العمل والموظفين، بحيث تشير عملية التشهير والابتزاز إلى سلوك بعض المجرمين طرق تهديد أصحاب النفوذ في بيئة العمل واستغلال سلطتهم. وعادة ما يتعلق التهديد بكشف أمور شائكة حولهم أو إفشاء أسرار العمل.
مما يسهم في الإضرار بسمعتهم ويهز اعتبارهم في المجتمع. وقد يكون هذا الفعل لصالح منافسيهم أو للحصول على مميزات مالية أو وظيفية أو ما دون ذلك غير مستحقة أو غير قانونية.
غير أنه من جانب آخر، فإن التشهير والابتزاز الذي يطال الموظفين يتمثل في السلوكيات التي يمكن أن يتعرض لها الموظف من رئيسه صاحب السلطة والتي يستهدف بها ممارسة الضغط عليه واستغلاله وتهديده بفقدان وظيفته أو كتابة تقارير سلبية عنه في حال امتنع عن الانصياع لمطالبه.
وقد يشمل كذلك التعاون السلبي واستغلال النفوذ في الحصول على مميزات غير مشروعة، أو تسريب معلومات هامة مقابل الامتناع عن إفشاء سر أو فضح أمر يخص الموظف، مما يشكل لدى الموظف ضغطا نفسيا داخل مجال عمله.
وغني عن البيان، بأن جريمة التشهير والابتزاز تطال مختلف الأفراد داخل المجتمع من أطفال ونساء وشباب.
بحيث يعمل مجرمي التشهير والابتزاز على ممارسة الضغط على الشباب عبر خداعهم باحتراف أو استغلال نقاط ضعفهم أو التهديد بكشف أسرارهم.
وعادة ما يقوم الفاعل بالتشهير والابتزاز برسم مخططه في سبيل الحصول على منافع شخصية أو تلبية أغراض أشخاص آخرين على حساب الضحايا المستهدفة.
من جانب آخر، يتميز التشهير والابتزاز لدى النساء من خلال اللجوء إلى استغلال ما تتمتع به المرأة من ضعف أو قوة، لخدمة المساعي الشخصية للحصول على المال أو تلبية رغبة عاطفية أو تحقيق منفعة وظيفية أو ما دون ذلك.
فقد يكون الهدف من المخطط التشهيري والابتزازي يندرج في الحصول على مبلغ مالي أو الالتحاق بوظيفة مرموقة أو خدمة رغبة جنسية. وفي المقابل يكون موضوع التشهير والابتزاز هو التهديد بإفشاء سر أو فضح أمر أمام العامة أو الزوج أو الأهل أو الأبناء. مما يضمن خضوعها التام للقائم بالتشهير والابتزاز تجنبًا لمواجهة التداعيات السلبية المحتملة.
وهنالك نوع آخر من التشهير والابتزاز والذي يشمل فئة الأطفال، بحيث يعمل مجرمي التشهير والابتزاز على استغلال ضعف الخبرة لهؤلاء الأطفال وقلة تجربتهم أمام أولياء أمورهم ومعلميهم، وهو الأمر الذي يجعلهم ضحايا التهديد، وقد يحدث ابتزاز الأطفال بعدة أشكال من بينها طلب المبالغ المالية أو الاستخدام في خدمات وأعمال غير قانونية أو مشروعة، مما ينعكس سلبًا على صحتهم النفسية ونموهم العقلي والعاطفي. ويقع على عاتق المجتمع في هذه الحالة فرض أقصى حماية ممكنة على هؤلاء الأطفال وإثارة وعيهم بمثل هذه الأفعال الإجرامية ومدى خطورتها وكيفية التعامل معها بشكل مثالي.
وعليه، لا بد من الإشارة إلى أن جريمة التشهير والابتزاز التي تطال مختلف الأفراد داخل المجتمع، وتتسبب في خلق شعور بعدم الثقة والأمان فيما يتعلق بمختلف جوانب الحياة.
مما يتطلب التوعية بضرورة المبادرة بالإبلاغ الفوري عن أي حالة يتم رصدها واكتشافها، وهنا يتجسد دور المرصد المغربي لمحاربة التشهير والابتزاز بحيث يعمل من جانبه إلى مساعدة السلطات المختصة في هذا الشأن.
وإذا كان مجرمي التشهير والابتزاز يعملون على المس بالمعطيات السرية للأشخاص فما هو تأثير ذلك على الاقتصاد الوطني؟
تعد جريمة التشهير والابتزاز التي تشمل مختلف الأفراد داخل المجتمع ذات علاقة بالاقتصاد داخل الدولة.
فبمجرد أن يخضع أصحاب العمل والموظفين والشباب والنساء والأطفال إلى عملية التشهير والابتزاز، يؤثر هذا الأمر على المجال الاقتصادي في المؤسسات الاقتصادية والشركات وداخل مقرات العمل.
علما بأن القطاع الأكثر عرضة لمثل هذه الهجمات، هم التجار وأصحاب المشاريع الصغيرة الذين لا يملكون الإمكانيات اللازمة لحماية أنظمتهم.
ومن ثم يضطرون إلى دفع المقابل طواعية، وإن كان المبلغ سوف يضعه في موقف صعب، وذلك خوفًا من خسارة ثقة العملاء وقطع تعاملهم معهم وتأثر اسم وسمعة مؤسساتهم وشركاتهم في علاقاتهم الاقتصادية بباقي المؤسسات الوطنية والدولية.
وقد يتسبب الأمر في وضع المنشآت الربحية المتوسطة والصغيرة في ضيق مالي قد يجبرها على تصفية الأعمال وتسريح العمال وتقليص الإنتاج المتوقع طرحه في الأسواق.
وهو الأمر الذي ينعكس بالسلب على الاقتصاد بشكل عام فهذه المشاريع أو تلك الشركات أو المؤسسات حتى وإن كانت صغيرة فإنها تمتلك دورا محوريا قادر على إحداث تأثير ملحوظ على عجلة الاقتصاد الوطني.
ناهيك عن ما تضطر الدول إلى إنفاقه يوما تلو الآخر في سبيل محاربة جرائم التشهير والابتزاز والتوعية بمخاطرها والتثقيف حول الإجراءات الواجب اتباعها في التعامل معها داخل المجتمع.
بالإضافة إلى الاهتمام بسن القوانين والتشريعات الرادعة وما يتم إنفاقه بواسطة وحدات المكافحة على الدراسات ووضع نظم واستراتيجيات لتعقب الجريمة والحماية من مجرمي التشهير والابتزاز. إلى جانب تأهيل الأشخاص وتدريبهم لاحتراف التعامل مع هذه النوعية من الجرائم.
ولابد من القول دون مبالغة بأن جريمة التشهير والابتزاز تعتبر تهديدا حقيقيا واضحا من شأنه التأثير بصورة مباشرة على المجال الاقتصادي.
فإن التسبب في تعطيل عمل الشركات والمؤسسات، وتغريمها مبالغ مالية ضخمة على سبيل الخضوع أو وضع خطط لتطوير الأنظمة الأمنية، يتسبب بالتبعية في عرقلة النمو الاقتصادي وزعزعة استقرار القطاع الاقتصادي والاستثماري للدولة.
وعليه، فإن سبل التمكن من الحد من الآثار السلبية للتشهير والابتزاز على الاقتصاد، يتعين توحيد جهود السلطات المختصة وفعاليات المجتمع المدني مع المؤسسات والشركات، من أجل مكافحة الجريمة والحد من انتشارها، عبر وضع تشريعات صارمة وإجراءات أمنية فعالة في إطار مقاربة تطبيقية هادفة إلى التوعية بأحدث الوسائل المتبعة في تنفيذ المخططات الإجرامية للتشهير والابتزاز.
وعلى هذا الأساس تم إحداث المرصد المغربي لمحاربة التشهير والابتزاز، بهدف الحد من الآثار السلبية لجرائم التشهير والابتزاز ومكافحة هذا النوع من الجرائم، بالنظر إلى كونها أصبحت تتخطى حدود الأضرار الآنية لمخاطر مستقبلية يصعب التحكم فيها والسيطرة عليها. مما كان من اللازم معه إحداث المرصد المغربي لمحاربة التشهير والابتزاز غايته خلق تعاون حقيقي بين مختلف المؤسسات التشريعية والأمنية والقضائية المختصة، سعيا من المرصد إلى تحقيق الحماية والأمان المستدام داخل المجتمع.