شهر أكتوبر 2016 ، الذي لفض أنفاسه قبل ساعات ،كان شهرا استثنائيا بما حمله من أحداث وطنية ليست عادية ، سواء من حيث وقعها او أبعادها ، أحداث سوف تبقى عالقة في ذاكرة المغاربة، وسيكون لها الأثر البالغ في التطورات التي سيشهدها المغرب في المرحلة القادمة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
على رأس هذه الأحداث، تأتي الاستحقاقات التشريعية لسابع أكتوبر ، ثم الخطاب الملكي أمام البرلمان حول معضلة الادارة المغربية ، وأخيرا الجولة الملكية في إفريقيا.
داخليا مثل اقتراع 7 أكتوبر، الحدث الأبر خلال هذا الشهر ، لكونه رسم خارطة سياسية جديدة،حملت في طياتها العديد من المفاجآت السارة للبعض وخيبات أمل كبيرة للبعض الآخر.
فبينما كان الاتجاه السائد ، إعلاميا على الأقل ، هو الرهان على فوز ساحق لحزب الأصالة والمعاصرة، يحقق من خلاله زعيمه، إلياس العماري، حلمه وهدفه المعلن ، المتمثل في وقف زحف الاسلام السياسي وإعادة حزب العدالة والتنمية إلى حجمه الحقيقي ، الذي كان عليه قبل الحراك الاجتماعي لسنة 2011،جاءت نتائج صنادق الاقتراع مخيبة لآمال وتطلعات العماري وحزبه ، على الرغم من احتلاله للمركز الثاني في هذه الانتخابات ومضاعفة عدد مقاعده.
ولم تكن نتائج صندوق الاقتراع ، مخيبة لآمال الـ”البام” فقط ، بل كانت “كارثية” بالنسبة للعديد من الأحزاب الأخرى، سواء تلك التي كان توصف جزافا بـ “الادارية” ، مثل الأحرار والاتحاد الدستوري ، أو الأحزاب التقليدية المحسوبة على القوى “الوطنية الديمقراطية” ، مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، دون الحديث عن التقدم والاشتراكية ، الذي لم يشفع له تحالفه مع “البيجيدي” المتصدر للانتخابات.
أمام إعتراف الحميع بشفافية عملية الاقتراع وحياد الادارة ، لم يجرء أي من هذه الاحزاب ،التي خرجت خائبة من الانتخابات ، على التشكيك في العملية الاقتراعية وتعليق فشلها، كما تعودت على ذلك من قبل ، على شماعة أم الوزارات ومطابخها السرية . بل قبلت صاغرة بما لفضته صناديق الاقتراع الشفافة، من نتائج متواضعة ولاذت بالصمت ، أكثر من ذلك أنها سارعت إلى خطب ود ابن كيران علها تضفر بمناصب معدودة في الحكومة المقبلة.
أما المعسكر الذي حصد المفاجآت السارة ، أي حزب العدالة والتنمية وأذرعه المختلفة ،فقد انتشى بالفوز بالمركز الأول ، مما أهل زعيمه لتشكيل الحكومة لولايتين متتاليتين ، وهو أمر يحصل لأول مرة في التاريخ السياسي للمغرب.
الحدث الآخر الذي شهده شهر أكتوبر ، وسيشكل منعطفا في علاقات المغرب الخارجية ،خاصة في بعدها الافريقي ، هو الجولة الملكية في منطقة شرق إفريقيا،امتدادا لجولات سابقة في القارة السمراء، وهو ما يمثل اختراقا حقيقية تحققه الدبلوماسية المغربية، بقيادة الملك، ولأول مرة في علاقات المغرب مع دول هذه المنطقة من شرق افريقيا.
المحطات التي شملتها الجولة الملكية حتى الآن ، وهي رواندا وتنزانيا، في انتظار أن تشمل إثيوبيا لاحقا،جاءت في ظرف إقليمي حساس بالنسبة لتطورات قضية الصحراء، واستعداد المغرب للاتحاد بالاتحاد الافريقي، خاصة وأن الجزائر و”البوليساريو”، انتهزتا فرصة غياب المغرب في هذه الدول لتسوق أطروحتها الانفصالية في غفلة من الزمن.
وكمؤشر على البعد الاستراتيجي للجولة الملكية في شرق إفريقيا ، تجدر الاشارة إلى أن زيارتي الملك محمد السادس ، لروانا وتنزانيا لوحدهما ، أثمرت إبرام نحو 45 اتفاقية ومذكرة تفاهم ، همت تعميق التعاون والشراكة ،في مجالات وقطاعات حيوية بالنسبة للتنمية في تلك البلدان ، منها مجالات سياسية وأمنية واقتصادية وحتى الجانب الديني كان حاضرا بالنسبة لزيارة دار السلام.
هذا الحدث الافريقي ، سبقته تعيينات ملكية لأكثر من 60 سفيرا وسفيرة، أغلبها همت عواصم إفريقية ، وهو ما يؤكد البعد الاستراتيجي لافريقيا في سياسة المملكة الخارجية.
حدث آخر ذو أهمية قصوى ، شهده شهر أكتوبر ،الذي هو عادة ما يكون شهر الدخول السياسي والبرلماني، وهو حدث ، بقدر ما أثلج صدور المغاربة وبث الطمانينة والأمل في نفوسهم ، بقدر ما كشف عن حقيقة مرة ، وهي تخلف الادارة المغربية والمعاناة التي يكابدها المواطن المغربي في حياته اليومية في ظل المرض المزمن الذي ابتلى بها الجهاز الاداري في المغرب وثقافة البيروقراطية التي ما زالت تعشعش في عقول القائمين عليه.
فقد خصص الملك محمد السادس خطابه،وهو أمر نادر ، لموضوع واحد في الجلسة الافتتاحية للدورة البرلمانية الجديدة يوم 14 أكتوبر ، لتشخيص وكشف الأعطاب والنقائص التي ما زالت تلازم الادارة المغربية، والتي لا تهدر حقوق ومصالح الموطانين فقط ، بل تضيع معها مصالحة البلاد على مستوى الاقتصاد والاستثمار والتشغيل.
هذه إذن ، ثلاثة أحداث بصمت الحياة السياسية الوطنية والدبلوماسية المغربية خلال شهر أكتوبر ، وسوف تبقى عالقة في ذاكرة كل المراقبين والمهتمين بالشأن العام في المماكة بالنظر لوقها وأهميتها داخليا وخارجيا.