أشهر مساجد العالم.. الكتبية تحفة معمارية وقلب مراكش النابض
باعتبار شهر رمضان شهر العبادة والتقرب إلى الله عزّ وجل، تتزين المساجد لاستقبال المصلين الصائمين لإقامة الصلوات من الفجر حتى صلاة التراويح والتهجد في العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان، وتتميز المملكة المغربية بضمها العديد من المساجد التاريخية.
موقع “برلمان.كوم” يسافر بكم عبر سلسلة رمضانية “مساجد حول العالم“ للتعريف بالمساجد الأكثر شهرة عبر العالم، والتي غالبا ما تتميز بتصميمها المبهر وطرازها المعماري الإسلامي الذي يجعلها تختلف كثيرا عن مساجد أخرى.
في حلقة اليوم سنحط الرحال بمدينة مراكش، للتعرف على مسجد «الكتبية»، الذي يُعد من أعرق مآثر المدينة الحمراء وأشهر معالمها الحضارية، تطل صومعته شامخةً بسحرها الأندلسي على ساحة جامع الفنا الشهيرة وسط المدينة، وهي تُرى من جُلِّ الشوارع، وعلى بُعد ثمانين كيلو مترًا من المدينة، أما طولها فيبلغ سبعة وسبعين متراً، وقاعدتها مربعةُ، وطول كل ضلع منها 12,80 متراً، وتتميز واجهاتها الأربع بزخارف هندسية من الإفريز الخزفي المصبوغ بلون الفيروز.
وشرع في بناء النواة الأولى لمسجد الكتبية سنة 1070 ميلادية بعد أربع سنوات من قيام دولة المرابيطين، فيما تم تشيده على شكله الذي هو عليه اليوم، في عهد الموحدين سنة 1158 بأمر من الخليفة الموحدى عبد المؤمن بن علي.
ويمتد المسجد على مساحة 5300 متر مربع، ويتوفر على إحدى عشرة قُـبًّة مزدانة بالنقوش، وسبعة عشر جناحاً، وقاعة للصلاة مستطيلة الشكل بها زخرفة، ويتوسطه فناء محاط بأشجار شامخة، فيما غُطِّيَ ما حوله بقرميد ورديٍّ وتُوِّجت أروقته بأقواس أندلسية.
ويزيد عدد أعمدة الجامع عن 400 ما زالت تحتفظ بالأصالة التي تُظهر مَهارة الصانع والفنان المغربي، حيث تعلو هذه الأعمدةَ تيجانٌ متنوعة غنية بالزخارف، وتبعاً لذلك فمسجد الكتبيـة يعدُّ متحفاً للأعمدة والتيجان التي يمكن اعتبارها أعمالاً فنية لا نظير لها في الفن المغربي.
أما منبره الذي يعد من روائع فن النجارة الإسلامية؛ فقد تم صنعه في قرطبة بدايةَ القرن الثاني عشر الميلادي بأمرٍ من السلطان علي بن يوسف بن تاشفين (476 هـ/1083 م – 537 هـ/1143 م) (خامسِ حكام دولة المرابطين في المغرب والأندلس)، ونُقل إلى الكتبية سنة 1150م، وهو يتكون من قطع قابلة للتفكيك، ومزوّدٍ بنظام آلي للحركة، ومرفوع فوق عجلات صغيرة، مما يسمح بإخراجه يوم الجمعة بطريقة آلية.
ويصل طول هذا المنبر إلى ثلاثة أمتار وستّةٍ وأربعين سنتمتراً (3.46 م)، وعرضه إلى تسعين سنتمتراً. وهو مرصّع بمختلف أنواع الخشب والعظم، تَتَبَّعَ الصانعُ في ذلك تقنية تعود إلى الفترة القديمة التي مورست في الإسلام منذ الفترة الأموية. ويشتمل المنبر أيضاً على مجموعة من اللوحات الخشبية المنقوشة بدورها، بتقنية تقترب من نقش اللوحات العاجية الأندلسية.
وللمسجد مئذنة واحدة، يبلغ طولها 77 مترا، يمكن مشاهدتها من الزوايا الأربع للمدينة الحمراء ، بها ثلاث كرات نحاسية، دون احتساب الرابعة التي تشكل النقطة المحورية، وكل واحدة تمثل أرض الإسلام المقدسة، مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس.
وتاريخيا كانت هذه المئذنة المميزة بزخارفها بمثابة المنبر لإعلان القرارات المهمة على الناس، خصوصا القرارات السياسية الكبرى، وكانت ساحة المسجد ملتقى للعديد من الأحداث التاريخية، وعقدت فيها الكثير من الاتفاقيات.
وحسب ما تداوله المؤرخون، اشتق اسم هذا الصرح الديني من كلمة «كتبيين» التي تشير إلى تجار الكتب والمخطوطات القديمة، حيث أحاطت به مساحات البيع والتبادل والذي كان مصدر إلهام لاسم الكتبية ولكن أيضا « مسجد بائعي الكتب ».
وفي سنة 2016، تم تجهيز المسجد بألواح شمسية وسخانات مياه تعمل بالطاقة الشمسية ومصابيح اقتصادية، وذلك في إطار الجهود المبذولة للرفع من استخدام الطاقات المتجددة في هذه المعلمة التاريخية التي تشهد على عراقة فن المرابطين والموحدين.
وتتميز الكتبية بأناقتها خلال النهار وهي مضيئة في الليل، وتحفة معمارية وتراثية فريدة واستثنائية تروق لأي زائر، بما في ذلك المستكشف الرحالة الشهير ابن بطوطة الذي أكد أن مسجد الكتبية « ليس له مثيل في العالم الإسلامي ».