قد يبدو طبيعيا جدا أن تحتج ساكنة وفعاليات مدينة أو منطقة حضرية أو قروية ما، على عدم تواجد مرافق صحية عمومية، تمنح الحق في التطبيب والشفاء، لكن ما لا يمكن قبوله لا بالعقل ولا بالمنطق أن يقوم أشخاص ما بالاحتجاج ضد إنشاء مصلحة صحية، ولأسباب لا يمكن وصفها سوى بالحمق.
هذا بالضبط ما حدث خلال أيام الأسبوع الماضي عندما تكتل بعض الأفراد المعدودين في مدينة أزمور الذين يصنفون أنفسهم كممثلين عن جمعيات المجتمع المدني بالمدينة، مسلحين في ذلك بمكبر صوت، ومستغلين تواجد المارة بشارع محمد الخامس، للاحتجاج على قرار المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة بالجديدة، الذي يقضي بإحداث جناح خاص بمرضى داء السل، داخل المستشفى المحلي لأزمور، وهو ما جعل الجميع يقف مستغربا لمثل هذه التحركات التي وبغض النظر عن عدم قانونيتها تجعلها مدعاة للسخرية، خصوصا إذا ما تم الالتفات لمبرراتها.
فبحسب هؤلاء، فإن سبب الاحتجاج والمطالبة بعدم السماح بإنشاء هذا الجناح، هو سبب احتراجي توقعي لما يمكن “اعتباره” خطر انتقال عدوى المصابين بالمرض! حيث يمعن هؤلاء المحتجين المصابين على ما يبدو بـ”جهل مركب” -لا توجد له مصحات لسوء الحظ- في سرد الأسباب، معتبرين أنه من الصعب جدا السيطرة على انتقال العدوى نحو المرضى الآخرين أو عموم الأطباء والناس العاديين الذين قد يلجون المركز الصحي، مستشهدين في ذلك بإغلاق مستشفى بلعياشي الذي كان متواجدا نواحي المدينة بسبب عدم إمكانية استمراره، فهل بعد هذا الجهل من غباء وجهل آخر؟!
إذا كان هؤلاء “الفاعلون” يعانون ما يعانون فعلا من جهل بكل شيء، أو إن كان أحد ما يحركهم لأسباب سياسية بغطاء حماية المصلحة العامة، فلربما ما يجهله هؤلاء أن إنشاء مثل هذه الأقسام الصحية، يتمناه عدد من جهات المملكة، بل تسعى جاهدة لتأسيس أقسام ولو صغيرة شبيهة به للاستجابة للحاجات الصحية للمرضى الذين يعانون ويلات المرض.
ثم إذا ما حاولنا تحليل نظرية هؤلاء في حماية أزمور من انتقال عدوى المرض للأصحاء، فإن ما يغفله هؤلاء أن المرض سينتقل ويزداد تفاقما إذا ما ترك مرضى المدينة ونواحيها دون علاج، بسبب غياب قسم مختص في ذلك، وحينها لن يبقى ربما أمام هؤلاء “الفاعلين الجمعويين” سوى افتتاح محلات الأعشاب الطبية لعلاج مرض خطير من حجم مرض السل!!
حقا لا يعرف المرء أي وسيلة أو أسلوب للرد على أشباه الحقوقيين هؤلاء، وعلى تصرفاتهم تلك التي تضرب في مبدأ صيانة الصحة العامة، الذي يتفرع عن السيادة الوطنية، ويقفز على القوانين الجاري بها العمل، لكن إلى حين أن يعي هؤلاء خطورة احتجاجاتهم تلك وخطورة الوشايات وفتنة الموقف المغلوط الذي يسعون لتعميمه داخل ساكنة المدينة بخصوص القسم الصحي الجديد، سندخر كل رد مفيد حتى يحين أوانه.