تم تشريع الأذان للصلاة في المساجد وبدأ العمل به في رمضان من السنة الأولى من الهجرة (623م). بعدما كان من الصعب على الصحابة والمؤمنين آنذاك معرفة مواقيت الصلوات الخمس فتشاوروا في ذلك، فلما كان من الليل رأى عبد الله بن يزيد رضي الله عنه في المنام رجلا دَلَّهُ على الأذان وكيفيته.
ولما أصبح، ذهب إلى النبي فأخبره بما رأى، فقال له صلى الله عليه وسلم: (إنها رؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك). ومن تلك اللحظة، لايزال الأذان يرفع للصلاة في كافة مساجد العالم.
وجدير بالذكر، الإشارة إلى أن تاريخ الأمة الإسلامية يحفل بأحداث ووقائع عظيمة شكلت منعطفات حاسمة في مسار المسلمين بصفة خاصة والبشرية بصفة عامة.
ومن الأحداث التاريخية التي وقعت في شهر رمضان الفضيل هو تشريع الأذان. وقد شكل هذا الشهر الكريم مسرحا زمنيا للعديد من تلك الأحداث، نظرا لمكانته العظيمة في نفوس المسلمين، وتأثيره القوي في الرفع من عزائمهم وتقوية هِمَمِهِم.
وعن قصة تشريع الأذان، يذكر أن المسلمين كانوا يجتمعون للصلاة في مواقيتها بغير دعوة، وكانوا يصلون خفية في شعاب مكة وقت الضعف والاضطهاد، أما بعد هجرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة واستقراره بها، فقد بنى مسجده المبارك، واجتمع شمل المهاجرين والأنصار، وارتفع لواء الإسلام، وأصبح المسلمون يجتمعون في المسجد للصلاة، وكانوا يأتون وقت الصلاة بدون إعلام فيصلون وينصرفون …
وبخصوص هذا الأمر تشاور النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه لإيجاد وسيلة يُعْلِم بها الناس بدخول الوقت لأداء الصلاة، فقال بعضهم نرفع راية إذا حان وقت الصلاة ليراها الناس، فاعترضوا على هذا الرأي بأنه لا يفيد النائم ولا ينبه الغافل.
وقال آخرون، نشعل ناراً على مرتفع من الهضاب، فلم يُقبل هذا الرأي أيضاً … وأشار آخرون ببوق وهو ما كانت اليهود تستعمله لصلواتهم فكرهه الرسول – صلى الله عليه وسلم ـ لأنه كان يحب مخالفة أهل الكتاب في أعمالهم.
وأشار بعض الصحابة باستعمال الناقوس، وهو ما يستعمله النصارى فكرهه الرسول – صلى الله عليه وسلم ـ أيضاً … وأشار فريق آخر بالنداء، فيقوم بعض الناس إذا حانت الصلاة وينادي بها فقيل هذا الرأي.
وكان بلال بن رباح، رضي الله عنه، أحد مؤدني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والآخر عبد الله بن أم مكتوم، رضي الله عنه، وكان بلال يقول في أذان الصبح بعد حيّ على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين، وأقرّه الرسول، صلى الله عليه وسلم عليها، وكان يؤدن في البداية من مكان مرتفع ثم استحدثت المنارة (المئذنة) بعد ذلك …
ومنذ ذاك الحين، أخذ الجو يرتج بنداء التوحيد، وصوت الأذان للصلوات يشق أجواء الفضاء في الصحراء، ويدوي في الآفاق، ويهز أرجاء الوجود، ويعلن كل يوم خمس مرات بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وينفي كل كبرياء في الكون وكل دين في الوجود، إلا كبرياء الله، والدين الذي جاء به عبده محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.
وفي السياق ذاته، قال ابن حجر: “قال القرطبي وغيره: الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة، لأنه بدأ بالأكبرية: وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم”.