لقد عشنا حتى شاهدنا البلد الذي عوقبنا من أجله يتعرض لأبنائنا بالعدوان، وأن الفيفا التي عاقبتنا من أجله تشيد بما نفعله من أجل الرياضة وتطورها في العالم!
كلما أعدنا قراءة حياة وإنجازات عالم الطب الوظيفي الروسي إيفان بالوف إلا ونشعر بأن نظام العسكر في الجارة الشرقية أضاع فرصة حقيقية للتعلم من حليفه الروسي، والإطلاع على منجزات علمائه لمعالجة نفسه من الكثير من السلوكات في السياسة والرياضة.
ولنا في ذلك حق كبير، حتى أننا ندعو صادقين أن يبادر الروس إلى تقديم خبرتهم الطبية والسلوكية للعسكر لتحريره من نزعاته البافلوفية.
فلقد علمنا تاريخ العلوم أن هذا العبقري الروسي، الحاصل على جائزة نوبل في 1904 انتبه إلى ما سماه « الاستجابة الشرطية أو التعلم الشرطي» وهي تتعلق برد الفعل التكيُّفي للكائن تجاه منبه خاص، ويكتسب الكائن بشرا كان أو حيوانا هذا التكيف من خلال وضعه بشكل متكرر في الموقف نفسه»..
فعلى سبيل المثال، كلما وضعت راية مغربية قام جنود البروباغندا العسكرية بالصراخ وسال لعابهم بشكل هستيري، حتى أن تكيفهم على العدوان يصير حقيقة جسدية يعبرون عنها بالصراخ والحركات والتشنج… كلما سمعوا اسم المغرب أو رأوا راية أو خريطة له.
وبافلوف هذا يعلمنا جازاه الله خيرا، أنه « قام بدراسات على عملية الهضم عند الكلاب في معمله، ولاحظ أن الكلب يسيل لعابه حين يوضع الطعام أمامه. في بداية التجربة، يفرز الكلب اللعاب في وجود الطعام فقط، بينما لا تنتج أي منبهات أخرى سمعية مثلا اللعاب.. وبعد ذلك أضاف بافلوف إلى منبه الطعام منبها سمعيا: جرسا يدق أثناء تقديم الطعام، أي أن كلا المنبهين (الجرس والطعام ) كانا يقدمان سويا… وهكذا يسيل اللعاب في وجود المنبهين معا. وبعد جلسات متعددة من ذلك التنبيه، يبدأ الكلب في التفاعل مع الجرس دون وجود الطعام ويقوم بإفراز اللعاب «وعليه فإن المنعكس الشرطي الذي لم يكن لدى الكلب، قد خُلِق اصطناعياََ…»
وإذ نعتذر عن هذا المقطع المطول، المأخوذ من موسوعة حرة غذاها الروس والأمريكان وعموم البشرية بالعلم والتفاصيل، فإننا نقول بأن هذه البوفلوفية العسكرية تجاوزت المرحلة المختبرية حتى صارت سلوكا سياسيا ورياضيا وعسكريا وأكاديميا، بل وفنيا كما تابعنا في رمضان المنصرم عبر سلسة قيل أنها فكاهية.
وإذ ننزه الأشقاء الجزائريين الأصلاء والوطنيين والنزهاء عن أي تشابه بينهم وبين ذباب العسكر وسلوكاته، نحن نرى بأن الاستجابة الشرطية ثبتت مرتين هذا الأسبوع في كرة القدم وفي كرة اليد.. وقريبا في كرة السلة وبعد في الهوكي على الجليد وفي الفروسية وكما في ملاعب الرياضة ثبتت في الأمم المتحدة وفي الاتحاد الإفريقي وفي القمة العربية.. وما إلى ذلك من لقاءات سيكون فيها المغرب حاضرا.
لكن الذي يثير أكثر في السلوك إزاء فريق نهضة بركان يفوق الشرطية البافلوفية العدوانية إلى انحطاط أخلاقي لا مثيل له في كل أدبيات العالم المتحضر، منذ اكتشاف الكتابة والأخلاق.
فبركان التي عاملها العسكر تلك المعاملة المنحطة، كانت مركزا من مراكز الثورة الجزائرية، وفي ضيعة من ضيعاتها كانت القيادة الجزائرية تستقبل الوفود التي تزورها، بل إن المشرفين على صناعة السلاح وعلى استيراده كانوا يجدون فيها الحضن الدافىء والسند الإنساني الكبير… وفي الصورة الشهيرة التي تضعها الجزائر كصورة تثبت علاقتها بنيلسون مانديلا يظهر المرحوم محمد بوداوود الملقب بمنصور والمعروف برجل السلاح وصناعة السلاح وهي صورة التقطت في بركان.. ومِْن على ظهور وأكتاف «لبراكنة» عبَر سلاح كثير إلى الجزائر.. والحكومة الأولى التي اعتبرت بأن تحرير المغرب هو منح الجزائر جناحا لتطير به، هي حكومة رجل من بركان اسمه لهبيل البكاي… وفي جبال بني يزناسن تدرب الكثيرون من ثوار الجزائر وجبهة التحرير، وفي أهل بركان وجد الثوار الجزائريون «الانصار الذي احتضنوهم».
والجحود الواضح هنا ينسى يصل التضبيع حدا لا يطاق، بحيث ينسى الرياضيون الجزائريون ما تعرض له المغرب من عقاب لأنه لعب مع فريق جبهة التحرير الوطني من طرف الفيفا.. وكانت تلكم أول مقابله لهذا الفريق في حياته بعد تأسيسه بأسابيع!!! والمنكر من الأمر أنهم يكتبون ذلك في صفحات تاريخهم الرياضي ويعرفون أن البلاد التي تغامر بأول مباراة تعرض نفسها لعقاب الهيئة الدولية المعنية وقتها. وكان الفريق هو المغرب والمعاقب هو المغرب والضحية هو المغرب..!
ولقد عشنا حتى شاهدنا البلد الذي عوقبنا من أجله يتعرض لأبنائنا بالعدوان، وأن الفيفا التي عاقبتنا من أجلهم تشيد بما نفعله من أجل الرياضة وتطورها في العالم!