مضى عام كامل سجلت به عشرات الأحداث والوقائع بجهة الشرق، فكان أبرزها حادث جرادة وما أعقبته من احتجاجات لايزال صداها مستمرا بالجهة والوطن، ومازالت عبارات الموت تتداول على ألسن من شهدوا ختام هذا العام الذي يبدو حزينا أسود بهذه الجهة، التي يعتليها عنوان الهشاشة وتسودها ظلمات المستقبل المبهم.
الزلزال الاجتماعي والسياسي :
عاشت جهة الشرق بمختلف مدنها من الدريوش نحو جرسيف إلى فجيج إلى وجدة أحداثا مختلفة منها ما أعلن أن الجهة تحتاج لتدخل عاجل من مسؤولي البلد، ومنها ما جعلها تبدو في أبهى حلة على أصعدة مختلفة، فأما الذي أعلن هشاشتها وجعلها جهة شبه منكوبة هي الأحداث الاجتماعية ومآسيها التي استفحلت، فتفاقم معها الموت المجاني والانتحار المفاجئ، بالشكل الذي تفاقم فيه بها الفقر والحاجة وغيرها من النقط السوداء الاجتماعية.
فموت شابين من أسرة واحدة بجرادة قبل ختام السنة بأيام بسبب لقمة عيش سوداء غرقا داخل مياه بئر فحمي أو كما يطلق عليه سكان المدينة السندريا”، بعدما حلا به في وقت باكر من صباح الجمعة ليستخرجا قطعا من الفحم يبيعونها لأباطرة “الشربون”، وتوديعهما الحياة وفي يديهما سواد لقمة العيش هذه، جعل المنطقة على صفيح ساخن وأجبر هيئات حقوقية بالشكل الذي أجبر عليه رئيس الحكومة من أجل التدخل والخروج بتصاريح كان مضمونها فتح تحقيق ومحاسبة كل المتورطين فيما يحدث بجرادة.
هو حدث اجتماعي سياسي اختتمت به سنة 2017، بجنوب شرق المغرب لا يختلف عن ذاك الذي افتتحت به السنة بشمال شرق المملكة، وقد كان شهر يناير شاهدا على ذلك حينما خرج المئات بالناظور والدريوش والعروي محتجين ومطالبين بمحاسبة المتورطين في مقتل محسن فكري، مطالبين في الآن ذاته بإصلاحات اجتماعية ضرورية تجعل من المنطقة قطبا استثماريا واقتصاديا يلائم موقعها المطل على البحر الأبيض المتوسط، فكانت الاعتقالات لعدد من المحتجين بالجملة ومحاكمة بعضهم، وفض اعتصام عدد منهم ممن اعتدوا على عناصر الأمن ورشقوهم بالحجارة، فيما سمي من طرف المحتجين “بحراك الريف” من أجل تحقيق المطالب العادلة.
فقد كانت هذه الأحداث بارزة على المستوى الاجتماعي، بالشكل الذي برزت فيه بالمدينة أحداث سياسية مختلفة اعتبرها البعض بمثابة زلزال سياسي، وكان أهمها الانتخابات الجزئية البرلمانية التي شهدتها ومازالت تشهدها عدة مدن بالجهة، عقب إصدار المحكمة الدستورية بالرباط لأحكام تسقط مقاعد استدعى معها الأمر إجراء انتخابات جديدة أفضت بمدينة وجدة إلى فوز عمر حجيرة عن حزب “الاستقلال”، والمير عن حزب “الأصالة والمعاصرة بمقعدي وجدة الشاغرين من أصل أربعة مقاعد داخل المؤسسة التشريعية المغربية، ومازالت الناظور وجرسيف يسابق مرشحوها الزمن في حملة انتخابية يحاولون من خلالها إقناع المواطنين بالتوجه نحو صناديق الاقتراع بداية شهر يناير المقبل والتصويت على من يجدونه مناسبا.
الشرق جهة ترقص على إيقاع الفن والثقافة
أمام ما عاشته الجهة وعدد من مدنها من أحداث اجتماعية/سياسية، كان أبرزها ما سلف ذكره، فإنها احتضنت كبرى الملتقيات الفنية والثقافية الدولية خلال العام جعلت من عاصمتها وجدة محظوظة في نيل شرف أن تكون عاصمة للثقافة العربية سنة 2018، بعدما كانت كبرى المهرجانات وأنجحها على المستوى الوطني في الموسيقى والمسرح والسينما والتراث وغيرها قد نظمت خلال السنة التي نودعها بمختلف مدن الجهة فحققت تلاقحا ثقافيا مختلفا ألوانه، وجعلت الشرق منبعا للثقافة والفن، وقد كان أبرز ما احتضنته الجهة تنظيمها للمهرجان المغاربي للسينما بوجدة والمهرجان الدولي للسينما بالناظور الذي كانت السينما البوليودية ضيف شرف به، كما احتضنت وجدة المعرض المغاربي الدولي للكتاب، واختارت مؤسسة المقهى الأدبي أن تحتفي بالرواية العربية في ملتقى دولي ضخم حضرته العديد من الدول ومثقفيها، ناهيك عن تنظيم مهرجان “الراي” الدولي للموسيقى، وتنظيم المهرجان الدولي للمسرح لكوميدراما، وغيرها من الأحداث الفنية والثقافية التي كانت مدن الجهة محتضنة لها.
معارض فلاحية وصناعية استقطبت الآلاف من المهتمين
على اختلاف الأحداث وتنوعها بجهة الشرق فقد كانت القطاعات الحكومية المختلفة والمؤسساتية والجمعيات المدنية والتعاونيات مساهمة هي الأخرى في خلق بصمة العام وأحداثه، من خلال تنظيم عدد من المعارض الكبرى، التي تخدم الفلاحة بالمنطقة والصناعة التقليدية والتجارة وغيرها من الأشكال الاقتصادية والتنموية المختلفة، حيث احتضنت الناظور وبركان ووجدة أكبر معارض الصناعة التقليدية وكذا المحطة السياحية بالسعيدية “مارينا” عاشت صيفها بمعرض ضخم نظم على مدى 45 يوما من طرف غرفة الصناعة التقليدية بجهة الشرق، ناهيك عن معارض وملتقيات دراسية فلاحية كبرى تلك التي احتضنتها مدينة جرسيف ووجدة، وملتقيات وتوقيع اتفاقيات لخدمة الجانب التنموي بالمدينة، تابعها وحضرها الآلاف من المواطنين.
فقد كانت جهة الشرق لاعتبارات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وفنية، وجغرافية بحكم وجودها على الحدود المغربية الجزائرية، ـ كانت ـ جهة متميزة الأحداث ومتعددة الوقائع، في انتظار أن تزخر السنة المقبلة 2018 بتنمية حقيقية تنهي مآسي سكان الجهة على الشاكلة التي يحلمون بها.
