ملف الأسبوع: الطرب الغرناطي.. موروث أندلسي رعته عناية المغاربة
يتميز المغرب بالتنوع الثقافي الذي يشمل أنماطا متعددة من الموسيقى، من أكثرها شهرة نجد الموسيقى الغرناطية التي تعتبر أيقونة تاريخية تتميز بها مدينة وجدة وكذلك تطوان، هي موسيقى كلاسيكية بالأساس ترجع أصولها للثقافة التاريخية العريقة، ويعتبر تعدد الآلات الموسيقية العنصر الأساسي الذي يشكل قوام هدا الصنف الثراثي للموسيقى.
ما يميز الموسيقى الغرناطية، التنوع، الذي يصنفها في إطار منظومة موسيقية متكاملة، كما تتميز بتعدد الألحان التي يغلب عليها الطابع الأندلسي كونها تنتسب أساسا لمدينة غرناطة، الأمر الذي جعلها في البداية تصنف ضمن الأجناس الموسيقية الدخيلة على المغرب، لكن في الظرفية الحالية تشهد انتشارا كبيرا.
تنتشر الموسيقى الغرناطية في الجهة الشرقية من شمال المغرب، بمدينة تطوان على وجه الخصوص، وتتميز بانسجامها لحد كبير مع الموسيقى التركية العثمانية من حيث الأداء الصوتي، فضلا عن تعدد الآلات الموسيقية المستعملة والتي تشمل العود، الدربوكة والقيتار.
تعتبر مدينة تطوان الحاضنة الثقافية لهذا الموروث الموسيقي الممتد على ربوع المملكة، بالنظر إلى حرص المدينة على تنظيم مجموعة من المهرجانات التي تخلد الموسيقى الغرناطية، والتي يسهر على أدائها مجموعة من المهتمين والباحثين، الذين يشيرون في هذا الصدد إلى أن هذا الجنس الموسيقي يتميز باستنباطه لمجموعة من المبادئ الأساسية والتي تستمد توجهاتها من ثلاث مدارس:
المدرسة التونسية وأصلها إشبيلي، والمدرسة الجزائرية وأصلها غرناطي، بالإضافة إلى المدرسة المغربية القائمة أساسا على التراث الفاسي وكذلك المدرسة الحديثة بمدينة تطوان. أما الركن الأساسي في الموسيقى الغرناطية هو الأداء الموسيقي الذي يتم من طرف شخص ينتمي لمدينة تطوان بالأساس، حتى يتمكن من إتقان اللحظات الثلاثة الكبرى، التي لا يمكن لهذا الجنس الموسيقي أن يستقيم دونها وهي المكونة من:
المقدمة الموسيقية التي تعزف على إحدى الآلات الموسيقية العود أو الكمان، الموال الأول الذي يؤديه المنشد إلى جانب الآلة، ثم إلقاء القصيدة بمشاركة الفرقة الموسيقة، وحرصا من القائمين على الشأن الموسيقي الغرناطي بمدينة وجدة فقد تم تأسيس العديد من الجمعيات التي تنشط في هذا الصدد وتحرص على تربية النشء لإتقان هذا الموروث الثقافي.
تعتبر الموسيقى الغرناطية إذن من أبرز الألوان الموسيقية التراثية، التي تزخر بالأصالة والعمق، بالنظر للتنوع الذي تزخر به، والذي يستوحي مبادئ أدائه الغنائي وأساليبه الموسيقية من تعدد المدارس التي تستلهم مكوناتها من أصالة التاريخ المغربي.
هناك مجموعة من الباحثين الذين يعكفون على البحث في معالم هذا الموروث الثقافي، ويعتبرونه مخزونا ثقافيا، يرجع الفضل لمدينة وجدة في احتضانه والحفاظ عليه، فضلا عن كونه يتخذ مجموعة من التسميات فتارة الطرب الغرناطي وفي مقامات كثيرة يلقب بالموسيقى الأندلسية.
الحفاظ على هذا الإرث الموسيقي لم ينبعث من فراغ، إنما هناك مجموعة من البواعث التي دعت لتخليد هذه الضرورة الحضارية، بالنظر أولا إلى التاريخ المشترك الذي يربط المغرب بالأندلس، فضلا عن توالي موجات الهجرة القادمة من الأندلس والتي تتخذ من المغرب وجهة مفضلة، بالإضافة إلى الامتزاج الكبير الذي وحد الثقافة المغربية بالأندلسية في الكثير من الجوانب، وجعلها تستقر عند ثلة من الأساليب الغنائية الغنية بالتنوع الثقافي.
آخر معاقل الفردوس المفقود “غرناطة”، يمكن أن نلمسه بشكل واضح في مدينتي الرباط ووجدة من خلال الحضور القوي لهذا الصنف الغنائي، حيث تتعدد الأنشطة الثقافية والمهرجانات التي تسهر على تخليد الامتداد التاريخي الذي وجد الأرضية الخصبة لأسباب الاستمرارية والحيوية في المغرب.
ومن العوامل الفاعلة في احتفاظ هذا الفن ببريقه التاريخي، وجود مجموعة من الناشطين والباحثين في هذا المجال الذي يؤمنون قطعا بأنه جزء لا يتجزأ من الهوية، وواجب يتحتم على الأجيال القادمة مناصرته والحفاظ عليه، اتقاء لشر اندثاره وتبني الثقاة الغربية الدخيلة على المغرب في تغييب كلي للتقاليد المتوارثة.
في أفق مواجهة هذا التحدي يحرص الوجديون على تأسيس الجمعيات التي ترعى هذا الهدف، المتمثل في تخليد الموسيقى الأندلسية وتوريثها للأجيال الصاعدة، التي تنظم فرقا موسيقية تتكون من الإناث والذكور يسيرون على نهج السلف حفاظا على هذا المخزون الثقافي الصامد رغم كثرة التحديات.