في اليوم الوطني للإعلام.. أية آفاق لتطوير المشهد الإعلامي في زمن التكنولوجيا المتطورة وانتشار التفاهة عبر منصات التواصل الاجتماعي؟
في اليوم الوطني للإعلام، الذي يصادف 15 نونبر من كل عام، يتجدد النقاش حول واقع الإعلام المغربي وآفاق تطوره، في ظل التحولات الرقمية والتكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم. حيث يعتبر هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء كذلك على أهمية الإعلام كركيزة أساسية لتعزيز الديمقراطية وحرية التعبير.
وفي هذا السياق، قال خبير التواصل والذكاء الاصطناعي مهدي عامري في تصريحه لموقع “برلمان كوم”، بأن المشهد الإعلامي يعيش تحولاً جذرياً بفعل التطور التكنولوجي وانتشار منصات التواصل الاجتماعي، حيث أن هذه التحولات لم تقتصر على الأدوات والوسائل، بل شملت أيضاً مضمون المحتوى وأساليب التفاعل مع الجمهور، مما يجعل التطور التكنولوجي سلاحاً ذو حدين.
وأوضح ذات الخبير، أن التطور التكنولوجي من جهة، يوفر فرصاً هائلة لتطوير القطاع، ومن جهة أخرى، يفتح الباب أمام تحديات كبيرة، أبرزها انتشار التفاهة والمحتوى السطحي الذي يهدد القيم الإعلامية الأصيلة ويؤثر سلباً على ثقة الجمهور في وسائل الإعلام.
وأشار الخبير في تصريحه، أن انعدام الرقابة على المحتوى في منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب الاعتماد على خوارزميات تركز على التفاعل وتزيد من نسب المشاهدات دون الأخذ بعين الاعتبار جودة المحتوى، أدى إلى انتشار مواد تفتقر إلى القيمة الإعلامية أو الأخلاقية.
وأكد ذات المتحدث، أن البحث عن الشهرة السريعة وجذب المشاهدات أصبح الهدف الأساسي للعديد من صناع المحتوى، ما ساهم في تراجع معايير الجودة والمصداقية.
ورغم هذه التحديات، يرى عامري أن هناك فرصاً كبيرة لتطوير المشهد الإعلامي من خلال دمج التكنولوجيا في الإنتاج الإعلامي، حيث يمكن للإعلاميين الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وصياغة الأخبار بدقة أكبر، بالإضافة إلى استخدام تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) لإحداث ثورة في تجربة المشاهد، خاصة في مجالات الأخبار الوثائقية، الصحافة الاستقصائية والتغطيات الميدانية.
وأضاف الخبير أن تعزيز التفاعل مع الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي هي كذلك طريقة فعالة لتطوير المشهد الإعلامي، وكذا بناء علاقة أكثر قرباً مع المتلقين، مما يتيح للإعلاميين فرصة فهم احتياجات الجمهور وتقديم محتوى يلبي توقعاتهم. مشيرا إلى أهمية إعادة تشكيل نموذج الأعمال الإعلامي أيضا من خلال استثمار التقنيات الحديثة في إيجاد مصادر دخل جديدة، مثل الاشتراكات الرقمية والإعلانات الموجهة، مما يساهم في استدامة وسائل الإعلام وضمان جودتها.
وحول انتشار التفاهة عبر منصات التواصل الاجتماعي، شدد الخبير في التواصل والذكاء الاصطناعي على ضرورة التصدي لهذه الظاهرة، من خلال استراتيجيات تربوية وتنظيمية فعالة. مؤكدا على أهمية التربية الإعلامية كجزء من المناهج الدراسية لتعزيز وعي الجمهور وتمكينه من التمييز بين المحتوى الجيد والرديء.
كما دعا عامري إلى وضع قوانين صارمة لضبط المحتوى المنشور، وإنشاء هيئات وطنية متخصصة في مراقبة المحتوى الإعلامي وضمان احترامه للقيم المجتمعية، مشدّدا كذلك على أهمية دعم الإعلام الجاد من خلال تقديم تحفيزات مالية وضريبية للمؤسسات التي تركز على الجودة والمحتوى الهادف، بالإضافة إلى تخصيص منح لدعم المشاريع الإعلامية المبتكرة التي تعزز القيم الأخلاقية والمهنية.
وفي إطار تعزيز الثقة بين الجمهور ووسائل الإعلام، أكد الخبير على أن الشفافية والمصداقية هما العمود الفقري لأي إعلام ناجح، كما دعا المؤسسات الإعلامية إلى الالتزام بالحقائق وتجنب الإثارة غير المبررة من أجل استعادة ثقة الجمهور. مشددا على أهمية التعاون بين الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي، من خلال تطوير شراكات تهدف إلى إنتاج محتوى يجمع بين الجاذبية والمهنية العالية، ودعا إلى تدريب الصحافيين على استغلال إمكانيات المنصات الرقمية لتقديم محتوى يواكب تطلعات الجمهور ويحافظ على المعايير المهنية.
وفي ختام تصريحه، أشار عامري إلى أن الإعلام يلعب دوراً محورياً في تنوير المجتمع، لكنه يمكن أن يتحول إلى وسيلة للتضليل إذا لم يتحلّ بالمسؤولية والمهنية، كما دعا الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية إلى تبني نهج جديد يجمع بين المهنية العالية واستخدام الأدوات التكنولوجية بشكل أخلاقي، مع التركيز على تعزيز القيم وتمكين الجمهور وفرض قوانين تنظيمية صارمة لضمان جودة المحتوى.
وختم عامري تصريحه بالتأكيد على أن “الإعلام أداة قوية يمكن أن تكون سلاحاً للتنوير أو وسيلة للتضليل، والخيار بين هذين المسارين يعتمد على إدراكنا لمسؤولياتنا كصحافيين ومؤسسات إعلامية في خدمة الحقيقة والمجتمع”.