ليس أغرب من شيء في ظل ما يجري من أحداث اليوم بالمغرب، من أناس وأقوام قرروا وأخذوا على عاتقهم بالمواقع الاجتماعية، التلحف بشعار “التضامن” حتى لو كان فارغا من محتواه المنطقي والعقلي، خصوصا في ما تعلق منه بما يجري في الحسيمة.
آخر ما قام به هؤلاء “المتضامنون” الذين يتحركون غالبا بمنطق “انصر أخاك ظالما”، انتقادهم بلغة لا تخلو من وهم، قدوم بعض قوات الأمن وبشكل عاجل لأحد شواطئ الحسيمة، بعد اشتكاء مصطافين اختاروا رطوبة الماء وجمال المكان للترفيه عن أنفسهم من حر الصيف، قبل أن يباغثهم ثلة محتجين في حدود الخمسة عشر “متعريا” ظاهرهم ممارسة السباحة، وباطنهم تعكير أجواء الناس، ضاقت بهم الأرض بما رحبت، فلم يجدوا غير شط البحر ليمارسوا هوايتهم الاحتجاجية بصخبهم غير المفهوم.
إلى حدود قدوم قوات الأمن على غير عادتهم، تحت طلب مصطافين كسر مجهولون راحتهم بضجيج وصخب لا يليق وقدسية شمس الشاطئ، بدى الأمر عاديا، ما دام أن دور الوحدات الأمنية لا يتجاوز المراقبة والحفاظ على “الحق الدستوري” في الاحتجاج، حتى لو كان بغير لباس! والحيلولة دون وقوع محظور، وهو ما تم دون أي احتكاك آخر، لكن الغريب هو تلك الحرب التي قادها متضامنو مواقع التواصل، فقط لأن مهمتهم لا تتجاوز إطار التضامن الفارغ من لغة الموضوعية والمنطق.
فقد اختار هؤلاء إعادة تدوير اسطوانتهم المشروخة حول انتقاد ما يسمونه “المقاربة الأمنية” وعاثوا في رجال الأمن سبا وقذفا وسخرية من أصغرهم لأكبرهم، فقط لأن صورتين لحزام أمني طوق من بعيد موقعة “المحتجين العراة”، اجتاحت صفحات “ريفيين”، ضاق بهم الفيسبوك وإخوانه، بعدما بات الوضع في الحسيمة متجها بفعل خطوات الملك نحو الحل الهادئ البعيد عن أي عنف.
لكن ما يجلب التساؤلات حول عقليات هؤلاء المتضامنين مع المحتجين العراة، أكثر مما يثير الاستغراب، إذ كيف يعقل لمن يفترض فيهم العاقل، أن يدافع عمن فشل في إنجاح مشروعه الاحتجاجي على الأرض، فنقله لشاطئ البحر، في اختراق فاضح وغير مقبول لخصوصيات المصطافين، وتعكير صفو أجوائهم الصيفية.
ثم كيف يمكن لمدينة ساحلية من طينة مدينة الحسيمة التي يعتبر البحر فيها أحد المقومات السياحية في فصل الصيف، أن يسمح فيها بمثل هذه التصرفات التي تخاطب في مضمونها السياح والمصطافين القادمين لإنعاش اقتصاد المدينة، بالقول، اذهبوا عنا فما نحن بحاجة لدراهمكم، هذا إن صدق فعل المحتجين العراة فيما قاموا به في شط الحسيمة، إذ لا مجال عند المناضلين الصادقين، لو بقي منهم أحد، في الجمع بين “معاناة المطالب” و”متعة سباحة الشاطئ” إلا من خرقى اختلط عليهم الحابل بالنابل، فما عادوا يفرقون بين المعقول واللا مقبول.