الأخبارركن الميداوي

ساسة فرنسا خائفون ومترددون لأي حيوان يميلون، الكلب أم الإنسان

الخط :
إستمع للمقال

مقابل اعتناء الفرنسيين المفرط بالكلاب الذين هم اليوم أرغد معيشا وأسعد حظا من كثير من الآدميين، لا يترك النبّاحون فرصة تضيع دون أن يعتدوا على مئات الآلف من الأشخاص وحصد العشرات منهم، حيث سجلت سنة 2023 وحدها 500 ألف اعتداء كلبيا نقل على إثرها 120 ألف شخص إلى المستشفى بإصابات متفاوتة الخطورة والعاهة.

وتفيد أرقام المصالح البيطرية بوزارة الصحة الفرنسية بأن الكلاب حصدت 24 شخصا سنة 2023 مسجلة ثاني رقم قياسي في سجل الموتى ضحايا الأنياب، بعد الرقم القياسي لسنة 2013 التي شهدت 27 حالة وفاة من جراء الاعتداءات “الكلبية”.

وتأتي هذه الاعتداءات، وفق نفس المصدر، بالخصوص على الأقارب حيث 63 في المائة من المستهدفين هم إما من أفراد العائلة أو جيران أو أصدقاء، كما أن 40 في المائة من الضحايا هم أطفال من دون الرابعة عشرة من العمر.
ولا يستثني أصدقاؤنا الكلاب قطيع الخرفان من القاعدة، إذ أعلن المركز الفرنسي للدراسات البيطرية والأغذية، أن الكلاب الضالة تأتي سنويا على ما بين 70 إلى 80 ألف من الخرفان، وأزيد من 100 ألف من الدجاج والطيور الأليفة.

وأمام التذمر الواسع والاحتجاجات المتزايدة في أوساط مربي الماشية، الذين يأخذون وبشدة على الساسة موقفهم السلبي والمُلتبس حيال استفحال الظاهرة، يحتار أصحاب القرار في اتخاذ موقف ناجع وصارم إزاء الوضع، في بلد ينتصب مواطنوه على رأس مالكي النبّاحين في العالم. وتجدهم بذلك خائفين مترددين لأي حيوان يميلون، الكلب أم الإنسان. وتسوُّلاً منهم لأصوات الناخبين، يحرص الساسة من ذات اليمين أو اليسار على السواء، على عدم إغضاب الكلاب بإجراءات عقابية، علما أنها في واقع الأمر صاحبة الكلمة الفصل في قرارات سادتها. ولا أحد يدري ما إذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يملك هو الآخر كلبا من فصيلة لابرادور، سيتجرأ على استصدار قانون رادع للاعتداءات المستدامة للكلاب أو الحد على الأقل من العفن والنجاسات التي تخلفها في كل ركن من أركان المدن الفرنسية. الكل يجمع على أن هذا البند ليس من انشغالاته ولا من انشغالات من سبقوه من رؤساء. هل رفقا بالكلاب أو تحسبا لتكشير أنيابها وما يتبع ذلك من تكشير في نفسية الفرنسيين الذين أصبحوا يعيشون في شبه عزلة، كل مستقل في بيته، بعد تراجع منسوب الوصال والتلاحم العائلي.

وفرنسا التي تحضن حوالي عشرة ملايين من “النبّاحين” وتسعة ملايين من “الموّائين”، هي البلد الأول في العالم من حيث عدد الكلاب والقطط ومن حيث النفقات المرتبطة بها والتي تجاوزت سنة 2023، أربعة مليارات أورو (حوالي 42 مليار درهم)، وهو ما يكفي لتغذية مئات الآلاف ممن يموتون جوعا كل يوم في إفريقيا وآسيا وجهات أخرى من العالم. فصديقنا الكلب لم يعد يرضى بفتات المائدة، بل يشترط وجبات غنية ومتوازنة تجمع بين اللذة المذاقية والمنفعة الصحية.

والكلاب الفرنسية أصبحت اليوم جزءا من الأعباء الزائدة على أصحابها المرغمين يوميا على التنزه بها وهي في أبهى إطلالتها من أحذية دافئة ومعاطف صوفية ناعمة في الشتاء، وقبعات مطرزة ونظارات ملونة للاحتماء من وهج وأشعة الشمس في المصيف. كما انتعشت بشأنه تجارة التجميل من محلات للأناقة الكلبية وصالات للحلاقة، في انتظار أن ينعم عليه مالكه بشريكة لعقد القِران وحفل العقيقة.
وفي الجانب المرتبط بتغوّطه، جهزت له بلدية باريس مراحيض خاصة بعدد من نقط المدينة. وارتأت بعض المجالس وضع أواني للماء الشروب بعدد من الشوارع، كتب عليها خاص بالكلاب. إلا أن أحد الطرفاء أضاف عليها مازحا وبحروف بارزة: “الكلاب التي تعرف القراءة”.
وفي حالة ما انتابه القلق أو الاكتئاب، تهُمُّ العائلة في حيرة من أمرها إلى الأخصائي الذي يباشر العلاج، من خلال طرح أسئلة محددة على أصحابها، للتيقن من مصدر الداء، وتقديم الوصفة اللازمة له. ومن فرط الاهتمام بصحة هذه الكائنات، فتح المعهد البيطري بباريس مركزا لتحاقن الدم يتيح للنبّاحين التبرع بالدم لفصيلتها.

ولأن ما يزيد عن ثلثي العائلات الفرنسية تملك ابنا إضافيا هو الكلب، فقد باشر طب الكلاب إلى خلق كل التخصصات “الكلبية” من أمراض القلب والمسالك البولية إلى العيون والجلد والأسنان وحتى الطب الاستعجالي وغير ذلك من التخصصات … وتتراوح النفقات المخصصة للكلب الواحد في فرنسا ما بين 2000 إلى 3000 أورو سنويا (حوالي 22 ألف إلى 32 ألف درهم) بالنسبة للعائلات الميسورة، أي ثلاثة أضعاف الدخل السنوي المتوسط بالبلدان النامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى