منصات التواصل والإخلال بالحياء العام والاعتداء على الحياة الخاصة للأفراد.. أية مقاربة لمعالجة هذه الإشكالية؟
في ظل التحولات التكنولوجية السريعة التي يشهدها العالم، أصبح الفضاء الرقمي جزءًا أساسيا من حياة الأفراد والمجتمعات، حيث أنه مع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يبرز السؤال حول تأثير هذه الثورة الرقمية على السلوكيات الاجتماعية وحدود الحرية والمسؤولية في هذا الفضاء الجديد.
وفي هذا السياق، قال خاليد تزلين الباحث في علم الاجتماع، إن وسائل التواصل الاجتماعي قد أفرزت ظواهر اجتماعية جديدة وأدت إلى تطور مفاهيم عدة، منها العلاقة بين الفرد والمجتمع، مشيرًا إلى أن هذه الفضاءات الرقمية قد أصبحت بمثابة امتداد للعنف الاجتماعي الممارس في الواقع، سواء كان ذلك عبر الإخلال بالحياء العام، أو السب، أو القذف، أو التشهير.
وأضاف تزلين أن الخطورة تكمن في أن هذه الأفعال تتم في فضاء رقمي يسمح للأفراد المجهولين بإطلاق هذه الهجمات دون أن تكون هناك رقابة قانونية صارمة.
وأشار تزلين إلى أن التحول التكنولوجي الذي شهده المجتمع لم يكن محصورًا في مجال التواصل فقط، بل ترافق مع تغيرات اجتماعية كبيرة، حيث انتقلنا من الأسرة الممتدة التي كانت تتعاون في عملية التربية إلى الأسرة النووية التي تعاني من غياب الرقابة الأبوية بسبب انشغال الزوجين في العمل، كما لفت إلى أن المدرسة قد فقدت دورها التقليدي في التنشئة الاجتماعية، ما أدى إلى انتشار الانحرافات السلوكية في المجتمع.
وأكد ذات المتحدث، أن الظواهر الاجتماعية التي نتجت عن هذه التحولات تستوجب مقاربة قانونية، مشيرًا إلى بعض المحاولات التي أقدمت عليها السلطات المغربية مثل القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، إلا أنه شدد على ضرورة تكثيف الجهود على مستوى القانون لاحتواء ظاهرة العنف الرقمي، خصوصًا مع الارتفاع الكبير لحالات التشهير ضد النساء في المجتمعات التي تتمتع بإمكانية كبيرة للوصول إلى الإنترنت.
وأكد الباحث في علم الإجتماع في تصريحه، أن الإحصائيات الرسمية، سواء من الأمم المتحدة أو من المندوبية السامية للتخطيط، تؤكد على أن هذه الظواهر تصبح أكثر حدة كلما ارتفعت نسبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي السياق ذاته، شدد تزلين على أن المقاربة القانونية الزجرية وحدها لا تكفي لمعالجة هذه القضايا، إذ يجب العمل أيضًا على توعية الأفراد، خاصة في مجال التربية والتعليم، كما اقترح ضرورة إدخال برامج توعية في المؤسسات التعليمية بالتعاون مع الأسر حول الاستخدام الآمن لوسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تحديد سن معين لاستخدام هذه الوسائل من أجل حماية الأطفال والفتيات الذين يتعرضون للعنف الرقمي.
وأكد تزلين في ختام تصريحه، أن الثورة الرقمية قد أوجدت فرصا هائلة لولوج المعرفة، لكن استخدامها السلبي يشكل تهديدًا حقيقيًا لمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.
ودعا ذات المتحدث، لتفعيل دور الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام في التحسيس والتوعية بمخاطر هذه الظواهر، مؤكداً على أهمية إعادة تأهيل هذه المؤسسات للقيام بأدوارها في تثقيف المجتمع وتحسيسه ومساعدته في مواجهة هذه التحديات.