الأخبارسياسةمستجدات

“برلمان كوم” يفتح ملفات المؤسسات التي ثبتت اختلالاتها في تقارير المجلس الأعلى للحسابات

الخط :
إستمع للمقال

الحلقة الأولى: الصندوق المغربي للتقاعد

قرر موقع “برلمان.كوم” فتح ملفات المؤسسات التي شكلت موضوع انتقادات عامة في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وذلك إيمانا منا بدور الإعلام في الإخبار والتعريف، والمساهة في التصحيح والمعالجة واستنهاض الذاكرة العامة كي لا تصبح تقارير المجلس الأعلى للحسابات مجرد وثائق يتم نشرها ثم توجيهها إلى رفوف الأرشيف.

ومن بين المؤسسات التي رصد عملها قضاة جطو نجد الصندوق المغربي للتقاعد، هذه المؤسسة العمومية التي تدير أنظمة المعاشات المدنية والعسكرية وتقاعد اختياري “التكميلي”، بالإضافة إلى الأنظمة غير المساهمة. تعتبر فاعلا أساسيا في قطاع الاحتياط الاجتماعي في المغرب، حيث وصل عدد منخرطيها في سنة 2016 ما يفوق 615 ألفا و934 مشاركا نشيطا فضلا عن 164 ألفا و435 متقاعدا.

وكشف تقرير مجلس إدريس جطو لسنتي 2016-2017 دخول نظام المعاشات المدنية منذ سنوات في وضعية مالية هشة، برزت معالمها سنة 2014 حين تم تسجيل عجز تقني في حدود 936 مليون درهم، ليرتفع بشكل صاروخي ويستقر في 2.65 مليار درهم سنة 2015.

ومن جملة الاختلالات التي رصدها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، على مستوى تدبير الصندوق، اعتماد تصفية المعاشات على أساس آخر أجر، في الوقت الذي تستند فيه عملية تصفية المعاشات بأغلب أنظمة التقاعد الحديثة على أساس متوسط الأجر المحصل عليه خلال مدة طويلة نسبيا، لتحقيق الملاءمة بين مستوى المساهمات وبين المعاشات المستحقة.

وعزى التقرير عدم التناسب بين المساهمة المستخلصة وبين المعاشات المستحقة، إلى اعتماد نظام المعاشات المدنية آخر أجر يتقاضاه الموظف كوعاء لتصفية المعاشات، سيما وأن عددا كبيرا من موظفي القطاع العام يختتمون مسارهم الإداري في أعلى الدرجات، حيث انتقلت نسبة الأطر من فئة المتقاعدين من 12 في المائة سنة 1990 إلى 38 في المائة سنة 2005، لترتفع كذلك إلى 42 في المائة سنة 2015، وتصل سنة 2016 إلى 50 في المائة.

ونبه التقرير ذاته من المنحى التصاعدي الذي تعرفه الترقية في الدرجة بالإدارات العمومية قبل موعد الإحالة على التقاعد، مشددا على أن هذه الوضعية ستؤدي إلى تفاقم العجز المالي لنظام المعاشات رغم مباشرة الحكومة لعملية إصلاحه سنة 2016، بالإضافة طبعا إلى عوامل أخرى من أبرزها الانخفاض في المؤشر الديمغرافي، بفعل تراجع نسبة التوظيف واستقرار عدد التوظيفات مقارنة مع العقود السابقة. بالإضافة إلى تزايد عدد المتقاعدين بشكل يفوق عدد المنخرطين.

أمام هذه الوضعية المأزومة للصندوق الناجمة عن الاختلالات المرصودة، تطفو عدة أسئلة إلى السطح حول أسباب غض الطرف من طرف المسؤولين عن تراكم المشاكل طيلة هذه المدة الطويلة لتنتقل من طابعها التقني إلى مستوى بنيوي أعمق، بات يهدد ديمومة معاشات عشرات الآلاف من المتقاعدين. فلماذا غابت الرؤية الاستباقية للمشرفين على تدبير هذا الصندوق؟ وما هي القيمة المضافة التي قدموها مقابل تقاضيهم أجورا عالية وتعويضات سخية؟

ألم يكن حريا بهؤلاء المسؤولين أن يبدعوا حلولا تضمن الرفع من موارد الصندوق عوض استنزافها في مصاريف يمكن اعتبارها مندرجة في إطار الكماليات؟ وماذا عن ترشيد النفقات واعتماد الحكامة الجيدة في تدبير معاشات المتقاعدين؟

نطرح هذه الأسئلة على إدارة الصندوق ونحن نعلم جيدا أنها أصمت آذانها لتوصيات لجنة تقصي الحقائق حول الصندوق المغربي للتقاعد التي شكلها مجلس المستشارين، التي أكدت فشل المدراء المتعاقبين على تسيير هذه المؤسسة في حسن استغلال الرصيد العقاري المهم الذي تتوفر عليه، والذي عوض أن يتم استثماره في الرفع من مداخيل الصندوق وتحقيق عائدات مالية وأرباح تعود بالنفع على الصندوق، فقد تم عوض ذلك تفويت جانب كبير من هذه الأوعية العقارية بأسعار وأثمنة هزيلة كانت موضوع انتقادات من طرف المتتبعين ووسائل الإعلام.

وماذا عن سوء تدبير عملية اقتناء الأسهم المتعلقة بشركة مناجم والبنك الوطني للإنماء الاقتصادي، بالرغم من تحفظ وزارة الاقتصاد والمالية، على هذه العملية التي كبدت الصندوق خسائر فادحة ناهزت 92 مليون درهم، استنادا إلى الأرقام الواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2006.

هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن التساؤلات التي تظل عالقة بدون جواب، هي ماذا كان يُفعل بمساهمات المنخرطين بالصندوق المغربي للتقاعد؟ وما هي قيمة الأرباح التي كانت تستخلص من عملية استثمارها من طرف صندوق الإيداع والتدبير؟ ولماذا لم يتم استثمار تلك المساهمات التي تقدر بملايين الدراهم في استثمارات على شكل شراكات مع القطاع الخاص في قطاعات مربحة، كانت ستغني الحكومة عن الرفع من مساهمات الموظفين النشيطين ورفع سن التقاعد؟

ختاما، ونحن نعيد التذكير بخلاصات التقرير الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق سالفة الذكر، بخصوص افتقاد الصندوق إلى نظام للحكامة وغياب حصيلة محاسباتية بكل نظام، بالإضافة إلى غياب آلية للرقابة وتدبر المخاطر بالصندوق، وضعف الموارد البشرية المختصة في تدبير المحفظة المالية، فإننا نرفع الصوت عاليا لنقول ماذا عن ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ وهل ستظل تقارير المجلس الأعلى للحسابات وتقرير لجنة تقصي الحقائق حبرا على ورق سيما وأن الشجرة غالبا ما تخفي من ورائها الغابة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى