الأخبارركن الميداوي

بحثتُ عن الدناءة فوجدت عبد المجيد تبون..

الخط :
إستمع للمقال

وأنا أتصفح بعض المعاجم الفرنسية بحثا عن مفهوم الدناءة السياسية، عثرت على سيل من المرادفات من قبيل النقص في الأصالة والحقارة والسفالة وغيرها من الألفاظ الدالة في مضمونها على أن الدنيء سياسيا هو الذي يحاول صياغة وعي مواطنيه على مزاجه، ضمن مجموعة من المبررات التي يراها مقبولة وكافية لاقتحام قلوبهم وتحويلها إلى الهدف المنشود. وضمن هذا المسعى يحاول تتفيه المجتمع وتبضيعه تمهيدا لوضعه في حجر صحي مستدام خشية إصابته بعدوى الوعي السياسي اللازم لفهم الواقع فهما واعيا ودقيقا.

أحالتني معاجم الشروح والمعاني أيضا على بعض المحطات السياسية التي يظهر فيها السياسي الدنيء مدافعا بكثير من اليقين والإيمان عن قضية يعتبرها “مقدسة” تحت تصفيقات الناس، ومُنقلبا بنفس الإيمان واليقين على نفس القضية “المقدسة” تحت تصفيقاتهم أيضا، ليكرس بذلك سلطة التفاهة السياسية التي تجعله ينقلب من الضد إلى الضد كلما اقتضت مصلحته ذلك.

والملفت فيما وجدته من بيانات وشروح مفصلة عن الدناءة، أن هذه الصفة ا تنطبق نصا وروحا على صديقنا وجارنا الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الذي انقلب على عهده انقلابا لئيما تحت تصفيقات الإعلام وفريق التافهين المبايعين. ففي إحدى خرجاته الإعلامية وما أكثرها، دعا في عملية تنويم ممنهج للشعب الجزائري، إلى وجوب “بناء ديمقراطية حقيقية ومسئولة، وكسر الحاجز الذي بناه العهد البائد بين المواطن والدولة”. عن أي عهد بائد يتحدث الرئيس تبون وهو صانع التفاهة الثقافية والاجتماعية والسياسية في العهد البائد، بل هو العهد البائد بروحه وجسده. قمة الدناءة هنا، هو أن ينبذ الرجل بلا حشمة وبلا حياء العهد البائد وهو حاضر في كل مفاصل الحياة السياسية الجزائرية منذ 1973 إلى اليوم (أزيد من نصف قرن)، وشغل أسمى الوظائف السياسية والوزارية، منها والي لأربع ولايات كبرى، ثم وزيرا للجماعات المحلية، فوزيرا للسكن والعمران وبعده وزيرا للاتصال، فوزيرا مرة ثانية للجماعات المحلية ليخلد بعد ذلك في وزارة السكن والعمران ثماني سنوات قبل أن يعين رئيسا للحكومة في شهر ماي من سنة 2017.

النُّخب المثقفة الجزائرية التي تدرك جيدا أن العهد البائد هو من أوصل الرئيس تبون للسلطة، تأخذ على الأحزاب السياسية انشغالها بصراعات داخلية عقيمة تعذر معها تأطير مناضليها، ومن خلالهم خلق تيار واع ويقظ ينتقل من طور البكاء على “الشهداء الأمجاد” إلى طور الإصلاح الفعلي المنشود..

دناءة أخرى تضعه في موقع بائع الوهم والكذب للشعب الجزائري، عندما لا يتوقف عن إيهامه بأن “الجزائر قوة ضاربة ” فيما بلاده تستورد كل مستلزمات الحياة من الخارج، من الإبرة وعود الثقاب إلى أبسط المواد الأساسية، من حليب وسكر وطحين وزيت وبطاطس وحمص وعدس.. وما إلى ذلك.

دجل كهذا يجره إلى دناءة أخرى، وهذه المرة، لخلط الأوراق وصرف أنظار الشعب الجزائري عن المسار القهري الذي تعيشه بلاده على امتداد ستة عقود. دناءة من قبيل أن “كل محاولات الوقيعة بين الرئاسة والجيش وزرع الفتن والأخبار الكاذبة، يقف وراءها المغرب وإسرائيل”. مثل هذا الكلام القذر العابث بقواسم اللغة والدين والمصير المشترك، ينم عن إحباط دبلوماسي قاتل وعن مرتبة حضيضية من المسؤولية الأخلاقية والسياسية.

وقد نُسب قديما إلى سقراط حكمته الشهيرة “تكلم حتى أراك”، وهي الحكمة التي أعطاها عبقري اللغة، شاعرنا المتنبي، مدلولا أقوى وأعمق بقوله “أظل أهاب الرجل وأحترمه حتى يتكلم”، وذلك لما للكلام من قيمة سلوكية بها تقاس مكانتنا لدى الآخرين. فربط المغرب بإسرائيل في كل كلامه ومداخلاته هو تدخل سافر في الخيارات السيادية لدولة شقيقة، وتحامل وقح ودنيء على تاريخ المغرب السياسي إلى جانب كونه محاولة بئيسة لزرع الشقاق بين المغاربة والمؤسسة الملكية التي لعبت منذ قرون دور الحامي للتماسك الوطني..

دناءة من هذا القبيل يُعرّفها معجم اللغة العربية بالنقص في الأصالة، ويسميها القاموس الغربي بالسفالة فيما أصفها بالتنكر اليائس والبئيس لحسن الجوار وللقواسم المشتركة في اللغة والدين والمصير المشترك.

وليخلع الرئيس تبون ولو للحظة معطف الدناءة ويتصفّح بعض أوراق التاريخ السياسي العربي الحديث، ليدرك أن وراء التطبيع مع إسرائيل عقودا من المساعي المغربية لإقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في وقت كانت فيه الشقيقة الجزائر مصابة بعقدة اللسان، بل كانت طوال أربعة عقود في غيبوبة تامة عن المخاض السياسي العربي.
فبمثل إصراره على تغليب الحوار على التصادم نُصرة للقضية الفلسطينية، سعى المغفور له الحسن الثاني إلى تأسيس لجنة القدس ومقرها بالرباط، وأنشأ لها وكالة بيت مال المقدس. وأيضا بمثل نفس الإصرار المخلص للقضايا العربية والإسلامية، استدعى غداة إحراق المسجد الأقصى، أول قمة إسلامية بالرباط سنة 1969، فيما صادق القادة العرب على أول مخطط عربي للسلام مع إسرائيل في قمة فاس عام 1982، وقبل ذلك اكتسبت منظمة التحرير الفلسطينية شرعيتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في قمة الرباط سنة 1974.

ومثل أي لئيم ناكر للمعروف، يرفض عبد المجيد تبون استحضار الدعم السياسي والعسكري الذي لقيته بلاده من الملك الراحل محمد الخامس في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ويرد على ذلك بلؤم أحقر دناءة وسفالة من كل من سبقوه من رؤساء، حيث المتأمل في مسار العلاقات المغربية الجزائرية منذ الانقلابي هواري بومدين إلى اليوم، يصطدم بحقيقة أن جميع رؤساء الجزائر حاولوا بالرغم من المواقف العدائية ضد المغرب ومن سياسة التدجين والشحن، مكْيجة مواقفهم العدائية وتليينها بما يحول دون إقحام الشعبين المغربي والجزائري في الخلافات السياسية، إلا من الرئيس تبون الذي جعل من عدائه للمغرب ترياقا لاستمراره في الحكم ووسيلة ناجعة للنيل من وهج الارتباط بين الشعبين الشقيقين.

ومن سوء حظ الشعب الجزائري الشقيق أن ابتُلي اليوم ليس برجل يتنفس على مدار الساعة عبير الدناءة ويسبح في غمارها فحسب، بل بحاكم متقلب المزاج ومخادع يتجنبه المقربون بسبب تقلباته الحادة وردوده الانفعالية، أما معارضوه فيعتبرونه طاغية كثير الغرور وعديم الكفاءة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى