شهد المغرب، خلال الأسبوعين الأخيرين، ظروفا استثنائية عرفت تظافرا واتحادا كبيرين للجهود والتدخلات لمساعدة ساكنة الأقاليم المتضررة من زلزال الحوز. وتعليقا على ذلك؛ قال الدكتور محمد السوعلي، المنسق الوطني لبرامج ومشاريع الهلال الأحمر المغربي والناطق الرسمي باسم المنظمة، إن “بلادنا مرت بمحنة كبيرة إثر الزلزال الذي ضرب ثلاثة أقاليم هي: الحوز وشيشاوة وتارودانت، وطال أثره كذلك إقليمي ورزازات وأزيلال”.
المرحلة الاستعجالية
أوضح السوعلي، في تصريح خص به “برلمان.كوم“، أنه” لكون الهلال الأحمر المغربي منظمة غير ممركزة متواجدة بجميع الجهات والأقاليم والعمالات؛ فمباشرة بعد وقوع الزلزال تمكنت الفرق الإسعافية للهلال الأحمر المغربي- الخاضعة لتكوينات في هذا المجال والمستفيدة من زلزال الحسيمة 2004- من التواجد في المنطقة، فتدخلت منذ الدقائق الأولى لتقديم الإسعافات الأولية إلى جانب الوقاية المدنية والسلطات المحلية والقوات المسلحة الملكية والأمن الوطني ومؤسسة محمد الخامس وغيرها من المتدخلين”.
وأكد الناطق الرسمي باسم منظمة الهلال الأحمر المغربي، أن الفرق “قدّمت الخدمات الاستعجالية الأولية المتمثلة في البحث عن المفقودين والجرحى وإيصالهم إلى المستشفيات قصد العلاج، وقدمت في نفس الوقت الدعم النفسي للمواطنين في تلك المحنة”، إذ ساهم في هذه العملية، في اللحظات الأولى “ما يفوق 50 مسعفا ومسعفة، ووصل عددهم- في العشرة أيام الأولى- إلى ما يفوق 500 مسعف كانوا في جميع المناطق المنكوبة”.
وأبرز أنه كان “للهلال الأحمر المغربي- كمساعد للسلطات المحلية العمومية- دور تكميلي، وأحيانا دور أساسي في مخططات الإنقاذ في المرحلة الاستعجالية، التي حاولنا أن نقوم بها، أولا بسواعد المسعفين والمسعفات الذين كانوا بمناطق الزلزال، وكذلك بإيصال جميع المساعدات التي عبرت عنها اللجنة الإقليمية والتي يحتاجها المواطنون”، مضيفا: “نظمت قافلة كبيرة اتجهت إلى مركز الزلزال في إيغيل، حيث وصلنا إلى أغبال التي هي منطقة نائية”.
غياب الاستنفار رغم الصعوبات
وكشف المسؤول بالمنظمة، في تصريحه، أن المرحلة الاستعجالية عرفت تظافرا للجهود وتنظيما في العمل والانخراط موضحا: “قطعنا هذه المرحلة- التي جعلتنا نجيب ونحن مطمئنون- بأنها مرت دون أن يكون فيها أي استنفار أو ضغوطات؛ بل بالعكس الجميع يشتغل في ظروف عادية والعملية مرت في ظروف عادية وحتى المراحل الأخرى القادمة ستمر أيضا في ظروف عادية رغم أن خصوصيات زلزال الحوز تجعل منه من أصعب الزلازل التي مرت”.
ووصف السوعلي مدى صعوبة الزلزال محصيا معطياته: “قوة بلغت 7.2 على سلم ريختر، دواوير موزعة بعيدة عن بعضها في مساحة ترابية كبيرة والدواوير كذلك والمناطق كانت بعيدة عن بعضها البعض، ما يصعّب من الولوجيات، هذا بالإضافة إلى أن جل الطرق تكسرت بفعل الزلزال”.
تدخل سريع للسلطات
وأضاف المتحدث نفسه أن “التدخل السريع للقوات المسلحة الملكية ووزارة النقل باللوحيستيك اللازم مكّن من فتح الطرق في الـ24 ساعة الأولى، ما ساهم من توصيل المؤن إلى أبعد نقطة ممكنة”.
وتابع أنه حتى “عندما كانت الطرق لا تسمح بمرور الشاحنات والمواد؛ حاول المختصون استعمال البغال للوصول إلى الدواوير النائية، وفي بعض الأحيان سجلنا أن هناك جنودا حملوا المساعدات على ظهورهم وقطعوا مسافات لإيصالها، إضافة إلى دور مروحيات الدرك الملكي التي كانت توصل المؤن وفي نفس الوقت تنقل الجرحى والمرضى إلى المستشفيات في مدينة مراكش”.
دعم فروع أخرى للمنظمة
وفي ظل عروض المساعدات التي تهاطلت على المغرب عقب الزلزال؛ اعتبر المسؤول أنه “لا بد أن أشير- بحكم أننا في منظمة إغاثية تنتمي للحركة الدولية- أنه كان هناك دعم خارجي كبير، فكل الجمعيات العربية وغير العربية عبرت عن استعدادها لمساعدة المغرب في هذه المحنة، ونحن الآن مازلنا معهم في اتصال لأن الزلزال لا ينقضي في هذه المرحلة الاستعجالية، ولا بد من أن نمر لمراحل آخرى”.
وقال محمد السوعلي: “كنا في هذه المرحلة الاستعجالية- بحكم أننا جمعية وطنية تنتمي للمنظمة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر التي تضم أكثر من 192 جمعية وطنية والاتحاد الدولي إلى جانبهم- في اتصال مباشر مع هذه الهيئات، وكلهم عبروا منذ الدقائق الأولى عن استعدادهم لمساعدة المغرب في هذه الكارثة”.
وأوضح أن “منهم جمعيات وطنية كان لها ممثلون جاؤوا للمغرب كقطر والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر؛ والباقي كانوا مستعدين ينتظرون الإشارة للقدوم إلى المغرب وتقديم الإمدادات الضرورية التي يمكن أن تفيد في هذه المرحلة”.
الزلزال كشف قوة المغرب
واعتبر السوعلي “أن هذه الكارثة أظهرت للعالم قوة المغرب وسلطانه ولوجيستيكه لمواجهة مثل هذه الكوارث، إذ هناك اعتراف دولي وداخلي بسرعة العمل والتركيز والتنسيق التي سجلها المغرب بحيث أن القوات المسلحة الملكية، ونظرا لزخم المساعدات التي قدمها المواطنون، استطاعت تنسيقها، كما يمكن أن نقول في هذا الباب إن حاجيات المواطنين كانت مغطية في هذه المرحلة الاستعجالية”.
هذا بالإضافة إلى المستشفيات الميدانية التي أنشأتها القوات المسلحة الملكية في كل المناطق المتضررة . وكذلك في جانب التطبيب والتمريض هناك أطباء قدموا من كل أنحاء المغرب لتقديم يد المساعدة بتنسيق تام مع المديرية الجهوية للصحة بمراكش وبطبيعة الحال بقيادة القوات المسلحة الملكية.
المرحلة الثانية: إعادة الإعمار
أبرز المنسق الوطني لبرامج ومشاريع الهلال الأحمر المغربي أنه بعد المرحلة الاستعجالية؛ شكّلت إعادة إعمار وتأهيل المناطق المتضررة أحد أهم المحاور التي “أكد عليها الملك محمد السادس وأعطى انطلاقتها، إما بتمويلات مادية مباشرة سواء للمنازل التي انهارت كليا أو جزئيا كمرحلة أولى، ثم كذلك الدراسة الطبوغرافية والمهندسين الطبوغرافيين الذين سيدرسون المنطقة كي تعود كما كانت مع ضرورة احترام خصوصياتها ومكانتها”.
وأضاف أن “هذا العمل مستمر ويبدو أنه- قبل نهاية الشهر- ستكون الدراسة كاملة”، مردفا أن “هنالك 50 ألف منزل إما آيل للسقوط أو سقط بصفة كاملة سيستفيد من إعادة التأهيل لكن بشروط تحترم كرامة المواطن والمجال وخصوصيته، لأن تلك منطقة سياحية يجب أن تحتفظ بجاذبيتها وبمعطياتها الخاصة مع احترام جميع معايير السلامة التي يجب أن تكون في هذا البناء”.
انخراط الهلال الأحمر في إعادة الإعمار
في هذا السياق؛ قال الناطق الرسمي لمنظمة الهلال الأحمر المغربي: “نحن مازلنا نشتغل إلى الآن حسب الحاجيات التي تعبر عنها اللجنة المختصة في تقييم التدخلات وكذلك مع شركائنا في الخارج، وهناك صندوق للدعم في حالة الاستعجال الدولي الذي سنستفيد من تمويله، كما وجهنا نداءا على المستوى الدولي الذي يمكن أن نحصل في إطاره على مساعدات”.
وأوضح أن هذه المساعدات ستخصص “أولا وفق التعليمات الملكية بإحداث مستودع للأغطية والأفرشة والخيام وجميع وسائل الإنقاذ في كل جهة من جهات المغرب”، متابعا: “إذن سنسيبر وفق مخططنا كذلك لإيجاد وتقوية مخازننا على المستوى المركزي والجهوي كي نكون، في حال وقوع أي كارثة، متوفرون على الإمكانات اللازمة للتدخل في ظرف وجيز”.
وأبرز المتحدث الرسمي كذلك أن منظمة الهلال الأحمر ستنخرط “في إعادة الإعمار انطلاقا من المرونة المدرسية والاجتماعية والبيئية والمجتمعية، كما سنشتغل حسب إمكاناتنا، ولكن لابد أن ننخرط لأن المغاربة كلهم انخرطوا، سواء الملك على المستوى الاستراتيحية أو الحكومة على مستوى التنفيذ وسواء المتخصصين في ميدان الإغاثة بكل مؤسساتهم وكذا المواطنين الذين رغم الكارثة انخرطوا في مساعدة المتضررين وتقديم يد العون”.